: آخر تحديث

ترامب يستعد لتغيير النظام في أوكرانيا

5
4
5

يعد إنهاء الحرب في أوكرانيا من أكثر التعهدات التي قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبان حملته الانتخابية، دون الإفصاح عن كيفية حصول ذلك، الأمر الذي أتاح المجال أمام الكثير من التكهنات والسيناريوهات المعقدة في الفترة الفاصلة عن تنصيبه، ولا سيما غداة تعيينه الجنرال كيث كيلوغ مبعوثاً خاصاً إلى روسيا وأوكرانيا، مهمته الأساسية إحلال السلام.

بيد أنَّ أحداً لم يلتفت في غمرة الحلول المعقدة إلى إمكانية أن يكون "الحل الترامبي" أكثر بساطة بكثير. ذلك أنَّ فلسفة الرئيس الأميركي في الحكم تتمأسس على استخدام الاقتصاد والمال كأدوات سياسية شديدة الفعالية على حساب الحروب والعسكرة وغيرها من الأدوات التقليدية في عالم السياسة. وبالتالي، فهو يعتبر أن استمرار الحرب في أوكرانيا عاملاً سلبياً، في حين أنَّ إحلال السلام يفتح آفاقاً اقتصادية مهمة.

من هذا المنطلق، يرى بعض المحللين الأميركيين، المقربين من "الحزب الجمهوري"، أنَّ نهج ترامب لإنهاء الصراع في أوكرانيا قد يكون شديد البساطة، من خلال قطع إمدادات المساعدات عن كييف، والذي يقودها ليس إلى الموافقة على السلام، بل إلى التنازل عن الأراضي التي صارت تحت السيطرة الروسية، على اعتبار أنَّ المساعدات الأميركية هي الرئة التي تتنفس من خلالها كييف.

وتذهب بعض التحليلات والتقارير في الصحف الأميركية إلى ارتفاع احتمالية قيام ترامب بتغيير النظام السياسي القائم في أوكرانيا، وبشكل سلس، بمعزل عن الضجيج الأوروبي الذي سيحدثه. وهذا ما يبدو أن القوى البارزة في الاتحاد الأوروبي تحاول الاستعداد له عبر سلسلة من الاجتماعات المتواصلة، والنقاشات المفتوحة بين نخبها السياسية.

وتشير التقارير إلى أنَّ فكرة ترامب، التي يسوقها عبر مبعوثه الخاص للشؤون الأوكرانية، هي ببساطة إيقاف الدعم عن أوكرانيا، أو تخفيضه إلى أدنى حد ممكن. وهذا ما يضع أوروبا الرافضة لذلك تحت ضغوط شديدة، بحيث تصبح ملزمة بتوفير مساعدات إضافية لدعم صمود حكومة فولوديمير زيلينسكي، الأمر الذي لا يبدو ممكناً في ظل الضغوطات الاقتصادية الهائلة التي تعاني منها كبريات الدول الأوروبية وأبرز قواها الصناعية.

وهذا ما يمهد لسقوط نظام الحكم في أوكرانيا، في ظل عجز بروكسل عن تغطية الفجوة المالية الأميركية، وقيام نظام جديد، غربي الهوية، لكنه أكثر طواعية للسير في خطة ترامب، وتسهيل إبرام اتفاق سلام مع روسيا.

إقرأ أيضاً: هل تزود الدولة التركية أوكرانيا بأسلحة نوعية؟

وترتفع معقولية هذا الحل بالنظر الى السيرة الذاتية لمبعوث ترامب وأفكاره حيال الصراع في أوكرانيا. ذلك أن كيلوغ، وهو جنرال سابق وسياسي جمهوري، شغل خلال ولاية ترامب الأولى منصب الأمين التنفيذي ورئيس أركان مجلس الأمن القومي الأميركي، كما جرى تعيينه عام 2018 مستشار الأمن القومي لنائبه مايك بنس، اقترح بعيد اندلاع الصراع في شباط (فبراير) 2022 تشجيع أوكرانيا على التفاوض عن طريق التهديد بقطع إمدادات الأسلحة. وهذا الحل برأيه يكفل إجبار طرفي الحرب على الجلوس الى طاولة المفاوضات.

ناهيكم عن التعنت الذي تبديه كييف إزاء بعض الأمور المطلوبة منها، مثل التنازل بشكل رسمي عن الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، أو القبول بضمانات حماية أميركية للعدول عن فكرة انضمامها الى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مما يعزز فكرة ضرورة التخلص من زيلينسكي وفريقه.

وتأكيداً على جدية هذه المقاربة، نشرت في الأيام القليلة الماضية العديد من التقارير في الإعلام الأميركي عن حجم الدعم المهول الذي قدمته إدارة الرئيس الذي شارفت ولايته على النهاية جو بايدن. منها تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" يتحدث عن 70 شريحة مساعدات حصلت عليها كييف منذ شباط (فبراير) 2022،. وتستند الصحيفة الى تقرير صادر عن "البنتاغون" في آب (أغسطس) 2024، يبين أن "الكونغرس" خصص أكثر من 174 مليار دولار من التمويل الإضافي لأوكرانيا.

إقرأ أيضاً: الصراع في أوكرانيا: سوق لتنمية صادرات الأسلحة التركية بدعم الناتو

في موازاة تقرير آخر نشرته شبكة "فوكس نيوز" الأميركية يشير الى أن الحكومة الأميركية في عهد بايدن أنفقت أكثر من 113 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا. وثمة تقارير منشورة في وسائل إعلام أميركية أخرى تمضي في السياق نفسه. وهذا ما يحضر الأرضية للحل الذي يريد ترامب وفريقه تطبيقه، خصوصاً في ظل ما تعانيه أميركا من مشاكل اقتصادية.

علاوة على ذلك، أسهمت التقارير المشار اليها في إحراج حكومة زيلينسكي، حيث زادت المخاوف من حصول تدقيق جدي في كيفية إنفاق هذه المساعدات الهائلة. وتشير تقارير أوكرانية الى أنه ثمة مخاوف جدية لدى المسؤولين في كييف من حصول تحقيقات تفضح الفساد المتفشي في أوساطها، حيث يقدر إهدار نصف المبالغ التي حصلت عليها.

وعليه، فإنَّ تكثيف حجم تقارير من هذا النوع في الفترة المقبلة يزيد من الضغوطات على أوكرانيا، بحيث تبدو حكومة زيلينسكي وكأنها ملاكم يتلقى ضربات بلا هوادة من منافسه على الحلبة، قبل أن يسقطه بالضربة القاضية بعدما تكون قدرته على الصمود خارت تماماً.

إقرأ أيضاً: هل تحاول كييف اختراق المسلمين؟

وتكتمل مصاعب كييف مع التسريبات الإعلامية التي ظهرت مؤخراً، والتي تتحدث عن قمة مرتقبة بين الرئيسين الأميركي ترامب والروسي فلاديمير بوتين. حتى أن النقاشات ذهبت إلى المكان الذي سيحتضن هذه القمة، والذي يرجح أن يكون في سويسرا أو السعودية أو الإمارات، ولا سيما أن الدولتين الأخيرتين لا تعترفان باختصاص المحكمة الجنائية الدولية. كما أنهما تتمعتان بعلاقات وثيقة مع كل أطراف النزاع في أوكرانيا، ولعبت الرياض وأبو ظبي دوراً إيجابياً في إنجاح المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في شأن تبادل أسرى الحرب.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن الرئيس الأميركي لا يقيم وزناً للمعادلات السياسية التقليدية والمشاريع المعقدة لقوى الدولة العميقة، يصبح التخلص من نظام الحكم في أوكرانيا خياراً متقدماً بالنسبة إليه في طريق تحقيق الشعار الذي رفعه في حملته الانتخابية بأنه الرجل القادر على إنهاء الحروب الدائرة في العالم وفرض السلام، حتى ولو كان بطرق غير تقليدية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف