في خرق هو الأول من نوعه للحصار الجوي الذي تفرضه إسرائيل على لبنان، وتحديداً على مطار رفيق الحريري الدولي، حطت صباح الخميس، 3 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، طائرة روسية من طراز "إيل – 76" تحمل 33 طناً من المساعدات الروسية الى لبنان.
الحصار الإسرائيلي للمطار
مطار رفيق الحريري الدولي هو المطار الوحيد في لبنان، ويبعد كيلومترات قليلة عن الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، والتي تعد المعقل الرئيس لحزب الله. ومع تكثيف إسرائيل لضرباتها الجوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، بدأت شركات الطيران العالمية تباعاً بتعليق رحلاتها الى لبنان. وبقي القليل من الشركات التي استمرت في تنظيم رحلات جوية الى بيروت، لكنها عادت وعلقت رحلاتها أيضاً نتيجة التهديدات الإسرائيلية باستهدافها.
وحينما لم تمتثل شركة الطيران الإيرانية الرسمية منذ أيام قليلة لتهديدات إسرائيل، قامت الأخيرة باختراق تقني لبرج المراقبة الرئيس في مطار رفيق الحريري الدولي، ووجهت إنذاراً مباشراً الى الطائرة الإيرانية التي كانت تحاول الهبوط على المدرج، ملوحة باستهدافها في حال إصرارها على الهبوط، مما دفع بالطائرة الإيرانية الى العودة أدراجها.
وبذلك بقيت شركة "طيران الشرق الأوسط"، الناقل الرسمي اللبناني، هي الشركة الوحيدة التي تعمل في المطار، وسط صعوبات ومخاطر هائلة، حيث يتزامن هبوط طائرة أو إقلاعها مع قصف الطيران الإسرائيلي لبقع جغرافية على تخوم المطار.
رسالة تحدي لأميركا
من خلال ما سبق، يمكننا فهم مدى أهمية الخطوة التي أقدمت عليها موسكو، بقرار من وزارة الطوارئ، وبتوجيه مباشر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا سيما مع التوتر المتصاعد في العلاقات الثنائية بين موسكو وتل أبيب. بيد أن هذه الخطوة تحمل أبعاداً سياسية أعمق من فكرة المساعدات والوقوف الى جانب لبنان في محنته، وتكمن في توجيه رسالة تحدي الى واشنطن.
وهذا ما أشار اليه السفير الروسي في بيروت، ألكسندر روداكوف، الذي كان في استقبال الطائرة في حرم مطار رفيق الحريري الدولي، بشكل واضح بقوله أمام وسائل الإعلام إنه "أمر يحمل دلالة خاصة أن تكون أول طائرة هبطت بعد فرض عقوبات أميركية هي طائرة "إيل – 76" التابعة لوزارة الطوارئ الروسية".
تهدف موسكو من خلال هذا التحدي الى القول لواشنطن إنها ستقف مع كل الدول التي تحاول الأخيرة خرق سيادتها وفرض إملاءاتها على حكوماتها، ولو كان ذلك يتم بطريقة غير مباشرة عبر حليفتها إسرائيل، والتي تحظى بدعم أميركي هائل في كل المجالات، يتطابق الى حد كبير، مع الدعم الأميركي المفتوح للحكومة الأوكرانية، والذي يعكس إصرارها على تسعير النزاع ورفض كل مبادرات السلام الجدية.
علاوة على ذلك، فإنَّ طائرة المساعدات الروسية، وهي الأولى من ضمن حملة مساعدات تعتزم موسكو تقديمها الى بيروت، تعتبر رداً سياسياً على رفض واشنطن دخول روسيا كـ"ضامن" لترتيبات اليوم التالي في قطاع غزة، كما طلبت حركة حماس خلال مراحل المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، رغم أن هذا المقترح يحظى بقبول السلطة الفلسطينية والوسطاء، وغطاء عربي وإسلامي.
مساعدة نوعية
الى ذلك، تضمنت شحنة المساعدات الروسية كمية كبيرة من المواد الغذائية، بالإضافة الى الأدوية والعديد من العناصر الحياتية الضرورية والأساسية. فضلاً عن محطات كهرباء متنقلة بقدرة تصل الى قرابة 80 كيلو واط. ويتزامن وصول هذه الشحنة من المساعدات الروسية مع معاناة لبنان من نقص هائل في المواد الغذائية والأدوية لمواجهة أزمة النزوح التي تتصاعد باضطرد مع توسيع إسرائيل لرقعة استهدافاتها، حيث تشير التقديرات الرسمية اللبنانية الى تجاوز عدد النازحين حتى اللحظة عتبة المليون ومئة ألف نازح، يتوزع نحو 300 ألف منهم على قرابة 900 مركز إيواء في مختلف المناطق اللبنانية، ناهيكم عن عشرات العوائل التي تنتشر في الساحات العامة ودور العبادة وغيرها.
بيد أنَّ العنصر الأهم في شحنة المساعدات الروسية يبقى محطات الكهرباء المتنقلة التي يحتاجها لبنان بشدة، ولا سيما أنه يعاني من أزمة مزمنة في قطاع الكهرباء، حيث بالكاد تستطيع شركة كهرباء لبنان تستطيع تأمين نحو 4 ساعات من التغذية الكهربائية في اليوم الواحد. وهو رقم غير ثابت وعرضة للنقصان، كما حدث منذ أسابيع قليلة حينما خيم الظلام بالكامل على لبنان.
وبذا تستطيع الحكومة اللبنانية تأمين التغذية بالكهرباء التي تفتقر اليها مراكز الإيواء، ولا سيما مع بدء فصل الخريف وانخفاض درجات الحرارة، خصوصاً في المناطق الجبلية، لتجتمع معاناة النزوح وترك المنزل مع الظلام الدامس والبرد الشديد. الأمر الذي يحول ليل النازحين الى كابوس يجثم على الصدور، وخصوصاً لدى كبار السن والأطفال.
الى ذلك، تفتح الخطوة الروسية الطريق أمام خروقات أخرى للحصار الإسرائيلي من قبل المنظمات الإنسانية، والتي كانت استجابتها ضعيفة للغاية لأزمة النزوح في لبنان، على عكس ما هو حاصل في أوكرانيا.