إبداعات وطنية، كانت للكويت ولشعبها ومثقفيها وشعراءها في شهور غزو الكويت في العام 1990 وبعد التحرير أيضاً حيث تألق التدفق الأدبي والموسيقي والفني، ولكنها إبداعات منسية طوال 34 سنة الماضية!
حصاد التسعينات وثقها التاريخ ووثقتها الذاكرة الكويتية حيث تعملق الصمود الوطني وتسيدت الآمال والمشاعر الوطنية والانتماء العروبي بتوثيق الصوت والصورة لتلك الأعمال الفنية الرائعة في سماء الكويت والعروبة توثيقاً لتاريخ غزو الكويت، لكنها تطلعات يتيمة، بل مجهولة الأبوين حكومياً!
الموسيقى والشعر والفن والثقافة، ليس لهم مكانة مرموقة في الكويت كما كانت في البدايات للدولة والإمارة، ولكن لأمور أخرى -هامشية- مكانة رفيعة واهتمام حكومي لأنهم يفزعون من الثقافة والتاريخ ويكررون اغتيال الابتسامة والكرامة التي رسمها المؤسسون للدولة!
تدفقت قصائد من شعراء الكويت خلال الغزو، وتحول بعضها إلى أغانٍ تم تسجيلها صوتاً في حين ما زالت خارج التوثيق بالصوت والصورة وهو ما نتمنى أن نراه في مركز جابر الثقافي، دار الأوبرا، برعاية جريئة للحكومة بعد تفضل وزارة الإعلام بالموافقة!
شهدت الساحة الثقافية حصاداً أدبياً وموسيقياً في التسعينات وتحديداً إبان الغزو العراقي لعل من أبرزها ما وثقه الأخ العزيز الشاعر الدكتور خليفة الوقيان في ديوانه "حصاد الريح".
تغنى ببعض قصائد الشاعر الوقيان الفنان القدير شادي الخليج، إلى جانب قصائد الشاعر الراحل عبدالله العتيبي، حيث تم تسجيلها صوتا فقط في إذاعة الكويت في المنفى، ولم تلتفت وزارة الإعلام حتى اليوم لتلك الإبداعات، التي هي جزء من تاريخ الدولة!
الإبداعات الوطنية المنسية ما زالت تحمل قيمتها ولم تفقد روعتها ورونقها وأثرها فهي حصاد غير فاسد المصدر ولا علاقة لها بالفساد الذي اجتاح الكويت مالياً وادارياً... حصاد لم ير نور التوثيق والعرض من إعلامنا الرسمي منذ 34 سنة!
الأعمال المنسية ليست بحاجة لترميم فهي لم تكن ضمن أرشيف وزارة الإعلام المنهوب وهي مسجلة إذاعياً وحقوق الملكية تملكها الوزارة، فلماذا التأخير والـتأجيل في توثيق للعمل الوطني الفني؟! هل تنتظر وزارة الإعلام حجب الأعمال من الفضاء الإلكتروني والذاكرة البشرية؟!
يتجدد الأمل بأن نرى نور التوثيق مع ذكرى غزو الكويت ال 34 التي أثراها الحصاد الأدبي توثيقاً لحقبة تاريخية مهمة للغاية حتى لا تتحول هذه الإبداعات لتلك الفترة الوطنية العصيبة إلى شتات ثقافي خارج ذاكرة التاريخ!
الدولة تملك حق التوثيق وإذاعة التسجيلات التي تمت في الغزو والدولة لها حق الفصل في أي نزاع قانوني مفتعل أو مشروع فالجوانب المادية لها أكثر الحلول فرصاً وحسماً مقابل الأفراج عن الأعمال الوطنية ليست مخالفة أو تبذير للمال العام!
غزو الكويت، فجر وجدان الشاعر الدكتور خليفة الوقيان في قصيدة بعنوان "برقيات كويتية" التي جرى تسجيلها كأغنية وطنية إذاعياً فقط وأورد جزءاً منها:
أيها القادمون مع الليلِ
إن العروق التي نزَفت
فوق رمْل الكويتْ
لم يكنْ نبضُها
غير خَفقِ العروبةِ
فيِ كلَّ بيتْ
قُل للرفاقِ
الغارسين رماحَهم بظهورِنا
الناذرينَ سيوفَهم لنحورِنا
الدربُ نحو القُدسِ سالكةٌ
فكيف عبرتُمو نحو الجنُوبْ
هل أنتمُ أحفادُ مُعتصِمٍ
إذا انتخت الأسَارى
أم نَسْلِ هولاكو
الذي حَرقَ الديارا
وكان للشاعر الوقيان قصيدة أخرى تحولت إلى أغنية وطنية أبان الغزو وهي "العروس والقرصان":
"للفجر في الكويت نكهةٌ
تعرفها زُغبُ العصافيرِ
وللنَدىَ على براعم الزَهورِ نَفْحَةُ
شذى يعطرُ المدَىَ
تلثُمُه خضر المناقير
والشمسُ في الكويت
تحوكُ من شُعَاعِها الفضَي
حين يعصف الشتاءُ
بردةٌ رحيبةٌ يذوبُ في شُعَاعِها
بردُ المقاديرِ
الشاعر د.خليفة الوقيان رفض إبان الغزو أي مكافأة مالية مقابل قصائده، ترسيخاً ليقينه المطلق بأن ما قدمه ليس سوى جزء من نبض وطني وعروبي تجاه الكويت متنازلاً عن حقوقه الفكرية اذا ما قررت وزارة الإعلام تبني التوثيق لتلك الإعمال الوطنية المنسية!
وزارة الإعلام لديها من الإمكانيات المادية والفنية التي تمكنها من تقديم العمل الوطني بثوب فني جديد بمشاركة كورال موسيقي دون المساس بالنصوص والألحان، فهل يفعلها الإعلام الرسمي؟!
حصاد غزو الكويت الفني ليس جريمة مال عام وليس شبهة فساد ولا نشاط إرهابي...حصاد خاطب العقل العربي وشد أزر الضمير الكويتي وروى حكاية غزو الكويت، وحان الوقت أن تصافح الكويت الماضي المغيب والحاضر المهمل والمستقبل المبهم!
*إعلامي كويتي