تُعزف الألحان وترفع الأعلام وتستنفر وزارة الإعلام واللجنة العليا للاحتفالات لبهرجة الأضواء في شوارع الكويت وعلى المباني الحكومية، فعرس تحرير الكويت في فبراير أفضل ذكراً وأسهل هضماً من عزاء -كما يبدو- ذكرى غزو الكويت ال 34!
الأدب والقصائد والأغاني ذات الوزن الثقيل والمعني العظيم ليست من شروط الألحان والموسيقى التي قيل عنها وطنية، فمناسبة التحرير فرصة للبذخ والأثراء والاستنزاف للمال العام وخدش الذوق الثقافي في نصوص فارغة المحتوى وهادمة للتاريخ!
تزدان المباني الحكومية بألوان وألعاب كهربائية في بلد يعجز عن ضمان الكهرباء في الصيف وباقي الفصول في حين برامج التلفزيون الرسمي تضج بالأسئلة والحوارات واللقاءات الساذجة والبائسة مع ما يقال عنهم محللين سياسيين بالرغم من غياب التخصص والخبرة!
دول العالم التي شهدت حروباً ومعارك احتلال وتحرير وعرفت الهزيمة والانتصار، تحرص على الاستحضار سواء للهزيمة أو الانتصار وتكرم هذه المناسبات كجزء من تاريخ هذه الدول والشعوب المتحضرة، فلغة النكران والنسيان أو التحكم بالذاكرة البشرية ليس لها مبرر موضوعي وسياسي.
ما غاب عن ذكرى غزو الكويت ال 34 وقبلها ب 33 عاما، لم تلمحه كاميرا الإعلام الرسمي ولم تعرفه وزارة الإعلام والثقافة، فالثقافة لها عنوان فقط دون نص وخطة، والإعلام له عمل هزيل وهدف ركيك لتحقيق نشوة انجاز واهم!
في الحديقة الخلفية لتحرير الكويت، كانت لدينا مقاومة شرسة حملت السلاح وفجرت الفزع والخوف في قلب جيش نظامي من "الأشاوس"، وفي الحديقة الخلفية للتحرير تفوق الشعب بإدارة شؤون البلد في ظل غياب سلطة الحكومة.
في الحديقة الخلفية للغزو العراقي، شهدت الكويت بطولات كويتية وتضحيات وطنية وشهداء وأسرى وتعذيب وسفك دماء وهتك الأعراض واغتصاب واغتيالات، وشهدت الكويت في حديقتها الخارجية بطولات للعمل الشعبي المنظم خارج الكويت وفي بلدان عربية وأجنبية.
جرت مواجهات فكرية وثقافية وسياسية في حديقة الكويت الخارجية في أمريكا ومصر وبلدان انحازت لنظام المقبور صدام حسين، ورمت بثقلها وراء الأكاذيب والأطماع ولم تتراجع الكويت عن عروبتها وقيمها الإنسانية والإسلامية وكذللك شعبها.
في حديقة العراق الأمامية، شهد الشعب العراقي الشقيق على حماقة الغزو والمغامرة بمصالح العراق، وصمود المقاومة الكويتية وثقه الأخ الفاضل الدكتور حميد عبدالله بقناته على "اليوتيوب" بعنوان "تلك الأيام"، وهو مواطن عراقي وكذلك شهادات عراقية أخرى لا تحصى.
الأخ العزيز فائق الشيخ علي، النائب العراقي السابق، زلزل صدام حسين ونظامه بمبادرة شخصية لصالح قضية الكويت العادلة والقيادة الشرعية، وخاض المعارك الإعلامية الشرسة دون انتظار مقابل، ولكنه يقطن في حديقة الكويت الخلفية!
غضب الشعب الكويت مشروع ويستحق الرواية والتوثيق مراراً وتكراراً، ففقدان الحرية وغياب القيادة الشرعية له ثمن لا يعرفه إلا من كابده وعرفه تاريخياً وفرحة التحرير لها قيمة أيضاً لا تقدر بأثمان ولكن قيمة التوثيق لا تتجزأ بين حديقة أمامية وحديقة خلفية!
الكويت، لا ننكر تجيد إقامة حفلات فبراير واستضافة الفنانين واحتضان الأقلام المأجورة لمهاجمة الديمقراطية في المناسبات الوطنية وخصوصا الانتخابات، فلكل مناسبة حفلة رسمية تليق في النكران والانتهازية!
الحديقة الخلفية للكويت فيها عذابات الغزو العراقي وشراسة الاحتلال والتشريد والتعذيب، وفي الحديقة الأمامية للكويت فيها الفرح وبهجة التحرير وأعراس الحرية والأمن والأمان ولكنها فرحة منقوصة ما لم يتم توثيق ما جرى في الحديقة الخلفية والأمامية!
شهد العالم حروباً عالمية وشهد القنبلة الذرية واصبحت لها متاحف في اليابان وغيرها في حين ليس لدى الكويت متحف يروى ويوثق باحتراف وبجرأة ثقافية ذكرى الغزو والتحرير في حديقة واحدة وليس حديقة خلفية وأخرى أمامية!
العمل الشعبي بالخارج ومعارك فكرية قادها سياسيون وإعلاميون ومثقفون كويتيون وعرب لم توثقها وزارة الإعلام، بل تجاهلت هذا التاريخ -ربما- خشية من تفوق العمل الشعبي على العمل الحكومي وهو خيال مريض لا يفرق بين الشراكة والمواطنة والخيانة والغدر!
المبايعة الدستورية لأسرة الصباح الحاكمة لم تكن محل جدل أو مناقشة أو مراجعة قبل الغزو واثناء الاحتلال وبعد التحرير حتى اليوم، وهي أيضاً قصة تستحق التوثيق تحت مظلة حديقة، متحف، الكويت عن الغزو والتحرير والكويت من الإمارة إلى الدولة الحديثة.
*إعلامي كويتي