: آخر تحديث

الإرهاب المحبَّب والمكروه

7
7
6

يبدو أنَّ حال أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) يشبه حال الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني في بعض النواحي، حيث أنَّ الطالباني كان مطلوباً من حكومة بغداد، إلا أنه استطاع بعد زمنٍ من النضال وبمساعدة الظروف الدولية أن ينتقل من الخنادق في إقليم كردستان إلى قصر الرئاسة في بغداد بعد إطاحة الغرب بنظام الرئيس العراقي صدام حسين، والأمر نفسه تكرَّر في سورية، إذ بفضل الضربات الإسرائيلية المكثفة لمواقع داعمي النظام، إضافةً لمن رسم سيناريو خروج بشار الأسد واضمحلال جيشه، استطاع الشرع الانتقال من ميادين القتال في إدلب إلى قصر الشعب في دمشق، إلاَّ أن الفرق بين الرجلين هو أن الطالباني كان مناصراً لحقوق الكرد والديمرقراطية في العراق منذ أكثر من 50 عاماً، بينما الشرع كان منتمياً لتنظيم القاعدة في العراق قبل أن يؤسس جبهة النصرة في سورية، كما أن الشرع لم يكن مطلوباً من حكومة دمشق فحسب كما كان الطالباني مطلوباً من بغداد، وإنما كان مطلوباً أيضاً من قِبل الدول العظمى، ولكن سبحان مغيّر الأحوال الذي خلَّص الشعب السوري من رئيسٍ مارس إرهاب الدولة على شعبه على مدار 13 سنة وأتى بشخصٍ موجودٍ على لائحة الإرهاب الدولي وكان حتى قبيل الثامن من كانون الأول (ديسمبر) مطلوباً من قِبل واشنطن مقابل مبلغٍ مالي قدره 10 ملايين دولار!

ويبقى اللامألوف في الذي يجري بسورية هو أن معظم قادة المسلحين المسيطرين على مساحات كبيرة من سورية ولهم سلطان على الناس والأماكن الواقعة تحت سيطرتهم موجودون في قائمة الإرهاب الغربية، وخاصة في اللائحة السوداء لدى واشنطن، وبالرغم من أن أميركا وقوات التحالف الدولي ومنذ سنوات تشن غارات شبه يومية على مواقع تنظيم داعش الإرهابي، إلاَّ أنها بنفس الوقت تتعامل بشكلٍ واضح مع جهات عسكرية أخرى مع أنها موجودة ضمن القائمة السوداء لديها، ووفق ما حدَّده الباحثون من أنواع الإرهاب، أي "الإرهاب الفردي، وإرهاب الدولة، والإرهاب الدولي، والإرهاب الثوري، والإرهاب المحلي، والإرهاب الانفصالي، العرقي أو الطائفي، والإرهاب النفسي، والإرهاب الفكري، والإرهاب الانتحاري، والإرهاب الفوضوي". فحسب التوصيف، يكاد نعت الإرهاب ينسحب على معظم الأطراف المسلحة الموجودة على الساحة السورية، ولكن مع ذلك ثمة من يتم التعامل معه بأكثر من طريقة، وآخرٌ يتم محاربته بالحديد والنار، وهو ما يدفع المراقب للتساؤل أهنالك يا ترى إرهاب محبَّب وآخر مكروه؟ أهناك إرهاب منبوذ وآخر مقبول؟ أهناك إرهاب جيد وآخر سيء؟ هذا في ما يخص تعاطي الغرب وأميركا مع الموجودين في سورية على لوائحها السوداء.

أمَّا بالنسبة إلى دول الجوار، فالأمر أيضاً قريب من حالة أميركا، إذ بالرغم من أنَّ تركيا تعرف جيداً وضع مجموع الجهات المسلحة التي صدر بحقها عقوبات غربية، وهي موجودة في القائمة المنبوذة دولياً، إلا أنها لا تعادي غير جهة واحدة من بين مجموع القوى المعروفة كقوى إرهابية، وهي ليست داعش أو النصرة أو قطاع الرؤوس من الجهاديين الأجانب الموجودين في إدلب، إنما الجهة الوحيدة المكروهة لديها والتي لا تنسى ولا مرة بأن تضيف صفة الإرهابي إلى اسمها، والتي تعاديها ليل نهار، بمناسبة وبدون مناسبة، هي "قسد" التي تراها تركيا كامتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها والذي تحاربه تركيا منذ أزيد من أربعين سنة، وهنا يصح القول بأن "كل مين عدوه بين عيونه".

وفي ما يتعلق بالداخل السوري حيال هذه الفئات الموجودة في قوائم الإرهاب الغربية عامةً والأميركية بوجهٍ خاص، فقد يستغرب المراقب من تفضيل هذا الإرهابي على ذاك، بالرغم من أنَّ الجميع يحمل نفس الصفات، ولهم نفس الملامح، ويحملون نفس القيم، ولكن ثمة حاضنة اجتماعية تقبل بهذا التنظيم أو ذاك، بينما ثمة حاضنة غير راضية عن طرف آخر من بين رهط التنظيمات الإرهابية.

إقرأ أيضاً: التوافق على النكوص

وفي هذا الإطار، يستغرب أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي وربما معهم اللامنتمين لأي جهاتٍ سياسية أيضاً سبب قبول السوريين للمنعوتين كمنظمات إرهابية كالحزب الإسلامي التُّركستاني، الكتيبة الألبانية، جهاديو الأوزبك، جهاديو الشيشان، كتيبة أنصار الإسلام، فرقة الغرباء الفرنسية، مجموعة "ملحمة تاكتيكال" أو "الملحمة التكتيكية" الناطقين بالروسية من شيشان وأوزبك وآذر، حركة مهاجري أهل سُنّة إيران وتنظيم حُرّاس الدين؛ يسمحون لمن كانوا جزء من القاعدة في أن يتسنموا مواقع السلطة في البلد، حيث تم ترقية بعضهم وصاروا من ضباط الجيش الجديد حسبما تم تداوله في الإعلام، وسيتم مكافأة الكثير منهم من خلال إعطاء الجنسية السورية لهم، بينما يطالبون فقط أنصار حزب العمال الكردستاني بالخروج من سورية؟ والجواب البسيط هو أنَّ الجهة التي تسنمت السلطة في دمشق راضية عن كل تلك الفئات المصنفة دولياً! كما أنَّ الحاضنة الشعبية لدى العرب السنة تقبل بوجود كل عناصر تلك المنظمات الإرهابية، بينما لأسبابٍ ما لا يقبلون بوجود عناصر الكردستاني في سورية، كما أن الدول التي لها اليد الطولى في سورية راضية عن الإرهابيين المتمركزين في إدلب ممن انتشروا مؤخراً في كل سورية بعد استلام السلطة، وذلك طالما كانوا تحت السيطرة، وطالما أن تلك التشكيلات الإرهابية كانت وما تزال تحت جنح وسيطرة هيئة تحرير الشام، فلا يشكل وجودهم خطراً على الغرب وأميركا وتركيا، وهذا ما يدفعهم للتغاضي عنهم والقبول بهم، بينما عناصر التنظيم الوحيد الذي يطالب الجميع بخروجهم من سورية هم أعضاء حزب العمال الكردستاني، باعتبار أن تركيا الفاعل الرئيسي في سورية ضدهم، ومن جهتها أميركا لا تريد الاصطدام مع تركيا أو خسارة حليفٍ لها في الناتو كرمى ذلك التنظيم، كما أن العرب السنة ضد وجود ذلك التنظيم لأسباب دينية وقومية قبل الأسباب الأخرى.

إقرأ أيضاً: في مديح العدو

أما لماذا المجتمع الكردي لا يقبل بوجود واندماج عناصر ذلك التنظيم كما يفعل العرب السنة مع الإرهابي الشيشاني والأوزبكي والتركستاني والجزائري وغيره، فالسبب هو أن هذا التنظيم تعامل بخلاف كل التنظيمات الأخرى مع المجتمع الذي تغلغل فيه، إذ أنَّ الشيشاني والأوزبكي والتركستاني والألباني لم يفرضوا شروطهم على المجتمعات التي حلوا بينها، ولا فرضوا أيديولوجيتهم على ناسها، ولا تحكموا بهم، ولا سيطروا بالغصب والإكراه عليهم، ولا مارسوا سلطانهم على العرب السنة وجعلوا من أبناء تلك الحاضنة مجرد أدوات بيدهم، إنما كانوا هم في خدمة السنة السوريين، وكانوا الحربة ضد النظام بيد العرب السنة وليس العكس، بينما سيطر أتباع حزب العمال الكردستاني على كل مقاليد الأمور في المناطق الكردية، وصاروا هم القادة، بينما جعلوا من الكرد السوريين مجرد عناصر لديهم خدمةً لمشروعهم الحزبي الصرف، وغدوا في الصدارة بينما عامة الكرد صاروا بمثابة التوابع.

إقرأ أيضاً: ما تبقى من سورية

كما أن مَن يُسمون بالمجاهدين، وبناءً على تصوراتهم المتعلقة بالفرودس ومباهجه، جاهزون للموت في سبيل ما يؤمنون به، بينما كوادر قنديل فمن أجل إدامة اشتعال النيران في دهاليز أيديولوجيتهم يدفعون شباب الكرد إلى أتون المعارك التي لا يؤمنون بأهميتها ولا يقرون بضرورتها ولا كانوا يوماً من عشاق الافتداء بالذات حباً بالممات، وهذا ما جعل شريحة لا بأس بها من الكرد السوريين ترفض مصادرة قرارها من قبل أُناس مجهولي الهوية ولا أحد يعلم عنهم شيئاً، وبالتالي يرفضون التسلط عليهم من قبل أشخاص من خارج البلد، ممن جاؤوا من خلف الحدود وصار الأمر والنهي بيدهم، وغدوا الأسياد على أصحاب الأرض بدلاً من أن يصبحوا هم الجنود كما هو الحال مع الجهادي الخليجي أو الشيشاني أو الألباني أو الأوزبكي أو التركستاني، والسبب الآخر والأكثر أهميةً هو أنَّ كرد سورية ليس لهم القدرة على مواجهة دولة مثل تركيا التي تعتبر ذلك التنظيم ذريعة دائمة لديها وبحجتهم تدمر المناطق الكردية، وهم ليسوا في وارد خسارة منطقتهم كلها كرمى كوادر ذلك التنظيم الفالح كعادته في المقامرة بالمصائر من دون أن يرف له جفن على ما تسبَّب به من قبل بناءً على مجمل تكتيكاته الفاشلة، كما أنهم ضاقوا ذرعاً بهذا التنظيم الذي سبق أن تسبب وجود كوادره بقتل ونزوح وتهجير أهالي مناطق مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف