: آخر تحديث
"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

حقوق الإنسان في أميركا: ألا يزال العالم يحتاج إعادة صياغة؟

579
753
559

قد يكون مفهوم حقوق الإنسان قد انطلق من أميركا مع مهاجر ياباني وجد صعوبة في تحصيل حقوقه بما فيها مزاولة مهنته، وسارت هذه الحقوق مسارات في القرن العشرين تأثرت بأيديولوجيات حقباتها حتى بلغت أدنى درجاتها في القرن الحالي.

إيلاف: في عام 1945 اجتمع دبلوماسيون يمثلون خمسين بلدًا وأنشأوا الأمم المتحدة. وفي عام 1948 اعتمدت المنظمة الدولية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي العام نفسه تمكن سي فوجي من شراء قطعة أرض في جنوب كاليفورنيا بعد حرمانه من ذلك على مدى عقود. 

تاريخ حقوق الإنسان... مسيرة نضال

يذكر أن فوجي شخصية ساهمت في تغيير القوانين الخاصة بالجنسية والهجرة والتملك في الولايات المتحدة، وكان قد ولد في اليابان في عام 1882، وهاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1903، ودرس القانون في جامعة جنوب كاليفورنيا، وحصل على شهادة في المحاماة، غير أن قوانين تلك الفترة التي تمنع منح الجنسية لذوي الأصول المنغولية حرمته من التجنس ومن ممارسة مهنته، فظل أجنبيًا ومواطنًا غير شرعي بلا حقوق. 

لكن كل شيء تغير في عام 1948 عندما رفع فوجي دعوى اعتمد فيها على ما ورد في التصريح العالمي لحقوق الإنسان، ما أدى إلى نقض قانون صادر في عام 1913 كان يطبق في ولاية كاليفورنيا، يمنع المهاجرين اليابانيين من حق شراء أرض. 

وفي عام 1952 صدر قانون نقض قوانين سابقة، وحصل فوجي بموجبه على الجنسية الأميركية، وكان حينها في الثالثة والسبعين من العمر. وتذكر صحيفة "لوس أنجلس تايمز" أن فوجي توفي بعد ذلك بواحد وخمسين يومًا. ثم وفي عام 2017، وبعد مرور 63 عامًا على وفاته، قررت أعلى محكمة في كاليفورنيا منح فوجي تصريحًا يسمح له بالعمل في مهنة المحاماة، وهو ما يمثل سابقة نادرة.

تاريخ حقوقي
لا تروي قصة فوجي سيرة تفاصيل حياة شخص واحد بقدر ما تروي تاريخ القوانين الخاصة بحقوق الإنسان، ومفهوم هذه الحقوق في الولايات المتحدة. 

فلجوء فوجي إلى رفع دعواه بغرض إعادة النظر في وضعه القانوني على التصريح العالمي لحقوق الإنسان أثار ضجة في الأوساط القانونية في ذلك الوقت، وفتح بابًا للنقاش بشأن التعارض بين القوانين المحلية والدولية، وأيهما يجب إتباعه، بل وصل النقاش إلى اعتبار القوانين الدولية مخالفة لبنود السيادة الوطنية.  

مفهوم حقوق الإنسان ومساره وتطبيقه في الولايات المتحدة هو موضوع كتاب صدر حديثًا للباحث مارك برادلي تحت عنوان "إعادة تصور العالم: الأميركيون وحقوق الإنسان في القرن العشرين"، سعى فيه الكاتب إلى فهم جذور لغة حقوق الإنسان في العالم ومدى إيمان الأميركيين بها، والطريقة التي ساهم بها العالم الجديد في النقاش الدائر حول هذه القضية المهمة.

ازدهار الأربعينات
ينقسم الكتاب إلى قسمين، أحدهما يركز على فترة أربعينات القرن الماضي، والثاني على سبعيناته. وكانت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد خلقت تحديات عالمية، تمثلت في انتشار لغة حقوق الإنسان وتطور مفرداتها، رافق ذلك نشوء حركات مناهضة للاستعمار في مختلف المناطق الخاضعة له، وهو ما جعل القوى الأوروبية تشعر بالقلق على وجودها ومصالحها في الأراضي التي كانت تسيطر عليها، فيما وجدت الولايات المتحدة في هذه المفردات انتصارًا للشيوعية خلال فترة الحرب الباردة. 

يرى الكاتب أن فترة الأربعينات شهدت ازدهارًا لمفهوم حقوق الإنسان في الثقافة الأميركية، غير أن المدافعين عنها لم يتمكنوا من إيجاد بديل من النظام الدولي، الذي كان قائمًا في ذلك الوقت على الحرب الباردة، وهو ما أدى إلى تهميش لغة حقوق الإنسان وتجميدها لعقود، حيث بدا وكأن الأميركيين نسوا هذا الخطاب خلال السنوات الممتدة بين عهد إدارة الرئيس آيزنهاور حتى سقوط سايغون في عام 1975.

عابر للقارات
ينبه الكاتب إلى أن ما ساهم في تطوير هذه اللغة ومفهومها، لا سيما في الولايات المتحدة، هو انتشار الصحافة المصورة واطلاع الأميركيين على معاناة شعوب أخرى في العالم على صعد اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهو ما حوّل مفهوم حقوق الإنسان إلى فكرة عابرة للقارات، كان من أبرز معالمها تعاطف الأميركيين الاعتياديين مع واقع شعوب أخرى. 

برزت في تلك الفترة جماعات ناشطة، دعت إلى تغيير قوانين محلية، لتلائم تطور مبادئها وأفكارها على الصعيد العالمي، وهو ما دفع مواطنين أميركيين من أصل أفريقي أو ياباني أو من الهنود الحمر إلى المطالبة بوقف التمييز الذي يتعرّضون له وإلى الاعتراف بحقوقهم، كما نصت عليها القوانين الدولية، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والملاحظ أن غالبية هذه الجماعات الناشطة كانت تضم مهنيين من أطباء وتقنيين ومحامين وما شابه، وكان معظمهم أيضًا من البيض.  

غزو العولمة والرأسمالية
يشير الكاتب في الجزء الثاني من الكتاب، والذي خصصه لفترة نهوض جديدة في سبعينات القرن الماضي، إلى أن انتعاش فكرة حقوق الإنسان في تلك الفترة رافق انتشار العولمة ومفهوم الرأسمالية العابرة للحدود، والتركيز على الفردية في خلق توجهات السوق العالمية. 

وقد أضعفت كل هذه التطورات قوة الدول  بشكل عام، وأخضعتها لقوانين ومبادئ خارجية، وأبرزت دور منظمات ناشطة رائدة، مثل السلام الأخضر والعفو الدولية وغيرها من المنظمات، التي ركزت على الجرائم الأخلاقية بشكل رئيس. 

يلاحظ برادلي أن الاهتمام الأميركي بحقوق الإنسان تركز في فترة السبعينات على قضايا ترتبط بأفراد، حتى لو كانت الانتهاكات ترتكب بحق جماعات كاملة، بدلًا من الدعوة إلى موقف في مواجهة فعل جمعي لغرض حماية حقوق اجتماعية واقتصادية.

من أهم الأمثلة على هذه الحالات الفردية الاهتمام الذي انصبّ على المنشق الروسي ألكسندر سولجستين، وعلى الكاتب التشيكي فاكلاف هافل. وفي تلك الأثناء جمعت منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان تقارير عديدة عن انتهاكات ارتكبتها حكومات في أميركا الجنوبية، منها حكومة أوغستو بينوشيه في تشيلي، والحكم العسكري في الأرجنتين. 

ويلاحظ الكاتب أن كل هذه الاهتمامات على مناطق خارج الولايات المتحدة رفع عدد المنظمات الناشطة في مجال الحقوق إلى 403 منظمات في ثمانينات القرن الماضي، مقارنة بعشرين منظمة فقط خلال السبعينات.

التغاضي أسهل
مع ذلك يلاحظ برادلي أن كل هذا الاهتمام رافقته تناقضات ويتعلق الأمر بمناطق في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، حيث تركز هذا الاهتمام على الحقوق المدنية والسياسية، وليس على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. 

ويشير الكاتب أيضًا إلى غياب خطاب حقوق الإنسان بشكل كامل تقريبًا قدر تعلق الأمر بانتهاكات محلية، ثم والأهم من كل ذلك ما وصفه برادلي بكونه "لا مبالاة واعية بالسياقات السياسية والاجتماعية التي تنتج انتهاكات لحقوق الإنسان بالدرجة الأولى". 

ورغم كل هذا الاهتمام يلاحظ الكاتب أيضًا أن هدف هذه النشاطات كان حماية حقوق أفراد، وليس مجاميع، واتباع معايير مهنية في الحيادية التامة، وتغييب السياقات العامة، ما يعني، وحسب رأي الكاتب، أن غالبية الجهات الناشطة تصرفت كمراقبين وموثقين ومدافعين عن الحقوق، بعد وقوع الجريمة، وليس كمصلحين لأنظمة قمعية. 

دور المتفرج
فبدلًا من محاولة تجنب وقوع جرائم، تفاعل العاملون في مجال حقوق الإنسان مع الجرائم بعد وقوعها أو ربما لم يتفاعلوا على الإطلاق، طالما أن الأمر يتعلق بـ "معاناة غرباء" بلا أسماء، وهو ما جعل مسألة التغاضي وغضّ النظر أسهل بكثير على هؤلاء الناشطين.

يخلص الكاتب أخيرًا إلى أن الأميركيين يملكون حاليًا كل الوسائل الخطابية والقانونية والعملية لدفع قضية حقوق الإنسان إلى الأمام، لكنه يلاحظ أن غالبية العاملين في مجال الحقوق في العالم تمارس نشاطاتها من دون قيادة أميركية، بل في مواجهة معارضة أميركية في الواقع. 

ويقر الكاتب بأن "موقع الولايات المتحدة في صناعة نظام حقوق الإنسان العالمي تضاءل بشكل أكبر في القرن الحادي والعشرين". ثم يتساءل: ترى هل ستلتزم الولايات المتحدة بحركة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم أم ستبقى متفرجة؟.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "نتوورك دوت إتش-نت". الأصل منشور على الرابط:

https://networks.h-net.org/node/28443/reviews/171054/jensen-bradley-world-reimagined-americans-and-human-rights-twentieth


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات