: آخر تحديث
"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

لوبن... اليمينية التي طردت أباها لتضاهيه تطرفًا!

389
415
371

إيلاف: في خريف 2005 حين انفجرت ضواحي المدن في أنحاء فرنسا محترقة بنيران أشعلها شبان ومهاجرون غاضبون من التهميش ومضايقات الشرطة، كانت مارين لوبن تستعد لنشر مذكراتها. هذه المذكرات أيضًا تبدأ بانفجار.  

ففي عام 1976 عندما كانت مارين، ابنة السنوات الثماني، نائمة بجوار شقيقتيها يان واتري كارولين في منزلهم في باريس انفجرت عبوة ناسفة داخل عمارتهم السكنية. وكان هدف العبوة، التي استُخدمت فيها 20 كلغم من الديناميت ودمرت واجهة العمارة، هو جان ماري لوبن، والد مارين، ومؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، قبل أربع سنوات على ذلك الحادث.  

ضد السائد
لوبن تروي تفاصيل ظلت عالقة في ذاكرتها الطرية وقتذاك، بما في ذلك طفل الجيران، الذي طار في الهواء، لكنه أُنقذ بسقوطه على شجرة، وصور ألبوم عائلة لو بان متناثرة في الشارع. تكتب لوبان أن الحادث كان بداية "صحوتها السياسية"، وأنها عاشت "ليلة رُعب" كي تكتشف أن والدها منخرط في السياسة. 

"فرنسا لوبن" لا تقبل التعددية

نشرت لوبن مذكراتها في عام 2006 مدفوعة بأول خلاف من بين خلافاتها العديدة مع والدها. تظهر على غلاف الكتاب الموسوم "ضد التيارات" (À ContreFlots دار غرانشيه ثمن النسخة 47.83 يورو، ومكون من 322 صفحة) صورة لوبن من الخلف تنظر إلى أمواج المحيط المتلاطمة، وهي صورة تستحضر جذور العائلة في منطقية بريتاني على شاطئ الأطلسي، وكذلك سباحتها ضد التيارات السياسية السائدة، وتعهدها بوقف أمواج المهاجرين الذين قالت، كما قال والدها، إنهم سيدمّرون فرنسا. وتظهر على الغلاف الثاني لكتابها أيضًا صورتها وهي تقف على الشاطئ بذراعين مفتوحين ورأسها مائل إلى الخلف. 

تضم الذكريات المكتوبة بالزمن الحاضر استطرادات متشنجة عن الإسلام والهجرة والعلمانية، وتقتفي مسيرة لوبن من الطفولة مرورًا بأيام الدراسة، وسنوات عملها محامية، إلى طلاقها الأول، الذي تركها أمًا عازبة، وانضمامها إلى الجبهة الوطنية في بداياتها.  

تمرد على الوالد
تبيّن المذكرات كيف أنشأت لوبن صورة عن نفسها بوصفها حاملة راية حزب الجبهة الوطنية، الذي سيطرت عليه في عام 2011، وفي النهاية طردت والدها منه. موضوع "ضد التيارات" الرئيس هو صراعها مع من سعوا إلى مواجهتها وإجهاض حلمها بالقيادة، بما في ذلك مؤسسات تربوية ودينية والإعلام و"النخب" التي تصدت لها، لا لسبب، سوى "اسم عائلتنا"، كما تذهب.  

تكتب لوبن "واجهنا عداء دائمًا لم يحلم أحد بإخفائه". وتروي كيف سارعت الصحافة إلى مهاجمة عائلتها، وبعدما قرأت أن تدنيس مقبرة يهودية حدث على أيدي أتباع لوبن، تكتب "صُدِمتُ حتى كدتُ أختنق مع قطعة الخبز التي كانت في فمي".
  
تلاحظ الكاتبة مويرا فايغل أن لوبن ليست أول زعيم يميني متطرف يشدد على صموده في وجه الأعداء، مشيرة إلى كتاب هتلر "كفاحي" أو شكاوى دونالد ترمب الدائمة من معاملة الصحافة "الظالمة" له. 

تصحيح لا إلغاء
لكن مذكرات لوبن تستخدم طرازًا خاصًا من الضحوية هو صورة البنت النجيبة التي ولدت في عالم والدها، وعملت كل ما بوسعها للتعاطي مع العداء الذي تواجهه نتيجة ذلك. تستخدم لوبن وجهة نظر الطفل الساذج بالتلميح في السرد إلى تجرد خصومها من المحتوى والسياق. ويختزل نثرها السياسة إلى ولاء عائلي.  

من هذه الناحية تحديدًا يكون كتاب لوبن بارزًا بصفة خاصة في الوقت الحاضر، حيث تقوم نساء في بلدان متعددة بأدوار كبيرة في ترويج الشعبوية اليمينية وتبييض صفحتها. ففي مقابلة أجرتها شبكة "سي بي إس" مع إيفانكا ترمب سُئلت عمّا إذا كانت وزوجها جاريد كوشنر "شركاء" في سياسات تضر بمصالح الجماهير التي يدعيان تمثيل مصالحها. وردت إيفانكا موبخة الصحافية التي سألتها ألا تساوي غياب الشجب العلني بالصمت.  

ولوبن في مذكراتها تستخدم الأسلوب المعاكس قائلة إننا يجب ألا ننظر إلى شجبها والدها على أنه تبرؤ من مبادئه الأساسية، بل على العكس، فإن البنت بانتقادها والدها والسيطرة على حزبه، وفي النهاية طرده منه، استطاعت أن تنزع الشيطنة عن الكثير من آرائه. وبصمودها رغم المأزق المتمثل في كونها ابنة والدها، تثبت أن لديها الصلابة المطلوبة لوراثته.

نوايا سلمية
صرحت لوبن للصحافة حين كانت منهكمة في كتابة مذكراتها أن الكتاب "سيحفّز النقاش" داخل الجبهة الوطنية. ويبدو الكتاب دفاعًا عن آراء والدها. وفي فصل قصير تبرر لوبن موقف والدها، الذي فجر فضيحة عام 1987 حين وصف غرف الغاز النازية بأنها "معلومة" هامشية في تاريخ الحرب العالمية الثانية، قائلة إنه لم يكن يريد إيذاء أحد، وإن ما قاله يعكس ميله إلى "إضفاء طابع نسبي" على كل شيء. 

الثقافة الغربية زاخرة بالقصص عن أبناء يرثون الحكم من آبائهم. لكن قصص بنات يفعلن ذلك أقل. وأسطع مثالين معاصرين على نساء في صورة آبائهن، هما لوبن وإيفانكا ترمب، لكنهما ليستا الوحيدتين اللتين تستخدمان أنثويتهما لتزيين سياسات يمينية. فهناك كيليان كونواي مستشارة ترمب، وفي ألمانيا أليس وايدل سيدة الأعمال المثلية، التي يدعمها حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في الانتخابات المقبلة في سبتمبر.

تتحدث لوبن في فصل من مذكراتها عن مصاعب تربية الأطفال والعمل في وقت واحد، ولكنها لا تأتي على ذكر الأفضليات التي كانت تتمتع بها حينذاك، بالمقارنة مع أمهات عاملات أُخريات، إلا بشكل عابر، مثلما تفعل إيفانكا في كتابها الجديد "نساء يعملن" الذي نُشر أخيرًا.  

تبرير انشغال
وفي نهاية الكتاب تصور لوبن فرنسا نفسها على أنها عائلة ذات آصرة بقوة أواصر القربي في العائلة الواحدة. وللرأي القائل بالأمة القائمة على قرابة الدم والعاطفة العمياء تاريخ خطير في أوروبا، ولكن لوبن لا تريد أن تتعلم من دروس الماضي. وهي في خلاصة من صفحتين تتوجه إلى المستقبل، حيث تقول إنه سوف يشهد "حقائق يصعب سماعها".  

تهدي لوبن الكتاب إلى أطفالها، الذين تقول إنهم سيفهمون ذات يوم لماذا كانت تغيب عنهم في أحيان كثيرة. في النهاية أصبحت لوبن ابنة والدها... لكن بعد ذلك كانت دائمًا كذلك.

 

أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف نقلًا عن «نيويوركر». المادة الأصلية منشورة على الرابط:

http://www.newyorker.com/books/second-read/marine-le-pens-memoir-a-dutiful-daughters-sanitizing-of-far-right-politics
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات