: آخر تحديث

وقفة مع النفس... بين الحكمة السعودية والاستجابة الإماراتية الإيجابية

3
2
3

 

لطالما كانت العلاقات بين دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، نموذجًا فريدًا من الأخوة والتكامل والتعاون. وقد تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية كخارطة طريق لتحقيق الأمن المشترك والاستقرار والرخاء لشعوب المنطقة، في مواجهة تحديات إقليمية ودولية معقّدة لا تُحسم إلا بتضافر الجهود وتغليب الحكمة على الحسابات الضيّقة. فالمجلس، الذي أُنشئ في عام 1981 ليحمي أمن المنطقة ويضمن استقرارها، يجمع بين ست دول شقيقة: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، الكويت، عُمان، والبحرين. إنه تحالف مبني على المصير المشترك، حيث يُعزّز كل عضو من عزيمة الآخر.

لقد مرّت العلاقات بين الأشقاء بمنعطف دقيق، كتبتُ عنه سابقًا بدافع المسؤولية الوطنية والحرص الخالص على أمن الخليج بأسره، حيث استدعت التطورات في اليمن وقتها وقفة جادة وقراءة واعية. واليوم، ومع تسارع الأحداث ووضوح الصورة، فإنني أعود لأكتب بحبر التفاؤل والإشادة بالمنطق السليم الذي تغلّب على الموقف.

الطموح المشروع وحكمة التكامل

كنتُ دائمًا أرى في النهضة التنموية والسياسية التي حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة نموذجًا لطموح مشروع، يُذكّرني – من حيث المبدأ – بدول أخرى صغيرة الحجم حققت أهدافًا أكبر من حجمها الجغرافي عبر استراتيجيات مدروسة. ولكن حديثي هنا اليوم يؤكد أن قوة الأشقاء العرب تكمن في تكاملهم، لا في تنافسهم. من الجميل – بل ومن الحق – أن يكون لكل دولة طموحات مشروعة تسعى لتحقيقها، لتعزيز مكانتها الدولية وضمان الأمن والرخاء لشعبها. والأجمل أن يظل هذا السعي مشروعًا في إطاره الجماعي الخليجي، يحترم مصالح الشركاء ويستند إلى الثقة المتبادلة، وهو الدرس الذي أثبتته الأيام الماضية بوضوح.

الحسم السعودي: قوة الموقف ووضوح الرؤية

أثبتت المملكة العربية السعودية، عبر موقفها الحاسم والواضح، أنها القاعدة الراسخة والأساس المتين لأمن الخليج والمنطقة. لم يكن هذا الموقف تعسفًا أو رغبةً في فرض الهيمنة، بل كان دفاعًا عن مبدأ جوهري: أن الأمن الوطني الخليجي كتلة واحدة لا تتجزأ، وأن أي تهديد لحدود أحد الأعضاء هو تهديد للكيان الجماعي. لقد أظهرت الرياض، بحكمة قيادتها، أن القوة الحقيقية ليست في التصعيد، بل في القدرة على رسم الخطوط الحمراء دفاعًا عن استقرار الجميع. هذا الحزم، المستند إلى الحق والشرعية، هو ما يحفظ الكرامة ويضمن الاحترام في العلاقات الدولية.

الاستجابة الإماراتية: انتصار لصوت العقل والأخوة

وفي ردٍّ يتّسم بالعقلانية، استمعت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لصوت العقل والأخوة، وقدّمت ردًّا إيجابيًا وحاسمًا بتأكيد انسحابها من اليمن ووقف أي تدخل قد يُثير القلق. لن أنظر إلى هذه الخطوة بوصفها تنازلاً، بل هي قفزة نوعية نحو علاقة أخوية أكثر نضجًا ومسؤولية. إنها تؤكد أن روابط الدم والتاريخ والمصير المشترك أقوى من أي حسابات آنية. لقد فهمت الإمارات، بحكمتها، أن قوتها الحقيقية تكمن في عمقها الخليجي والعربي، وأن أمنها مرتبط أشد الارتباط باستقرار جاراتها وأشقائها. هذا القرار، إذا ما وُضع موضع التنفيذ بشكل جدي وواضح، يُحسب للقيادة الإماراتية ويشكّل لحظة فارقة في تعزيز الثقة وترميم أي صدع.

عبرة للمستقبل: وحدة الصف طريقنا الوحيد

لقد أثبتت هذه المحطة أن الحوار الواضح والمواقف الصادقة هما الوسيلة الفضلى لحل أي التباس بين الأشقاء. كما أكدت أن مجلس التعاون، برغم كل التحديات، يمتلك مناعة ذاتية تستند إلى إرادة قياداته وشعوبه في الحفاظ على كيانه. لقد خرجت علاقتنا السعودية الإماراتية من هذا الاختبار أكثر قوة ووضوحًا، لأنه تم تسويته بين الكبار، بالعقل والمسؤولية.

إن الدرس الأهم هو أن طريقنا الوحيد للازدهار والأمن في مواجهة تحديات المنطقة المعقّدة هو توحيد الصف وتعزيز التضامن. يجب أن يكون تنافسنا في ميادين البناء والابتكار، لا في الساحات التي تُضعفنا جميعًا. المستقبل ينتظر دول الخليج لتلعب دورًا محوريًا في المنطقة، وهذا لن يتحقق إلا بقلب واحد ويد واحدة.

في الختام، أحيّي القيادتين السعودية والإماراتية على حكمتهما، وأرى في تجاوز هذا الموقف نموذجًا يُحتذى به في العلاقات الخليجية. فلتكن صفحة الماضي بمثابة أساس متين لمستقبل أكثر إشراقًا وتعاونًا لشعوبنا جميعًا.
والله من وراء القصد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.