لم يعد خافيًا حجم وتأثير الانقسام السياسي بين تيارات حركة حماس؛ التيار الإيراني بقيادة خليل الحية، والتيار الإخواني-التركي بقيادة خالد مشعل، خاصة أن تداعيات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) جاءت في شق الاغتيالات التي طالت أغلب قيادات الصف الأول والثاني للحركة، من خلال سعي إسرائيل الواضح لإعادة ترتيب ورسم المشهد الداخلي القيادي برمته، بهدف إضعاف الحركة وتطويعها لخدمة مسار تدفع به حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية لإبقاء قطاع غزة خارج دائرة الصراع.
الانقسام داخل حماس نال أبعادًا خرجت عن سيطرة بعض الدول الإقليمية وأجهزتها الاستخباراتية، اللاهثة لإبقاء مقارباتها السياسية والعسكرية في المنطقة معتمدة على الحركة، فإيران تسعى إلى ترميم محورها بعد أن فقدت ساحة سوريا لصالح توغل النفوذ التركي، الذي يبني وجوده في دمشق من خلال خلق توازن عبر حركة حماس في قطاع غزة، يتيح له تثبيت أركان نظام الرئيس أحمد الشرع.
الإعلان عن التوجه لإجراء انتخابات داخلية داخل حماس في الأيام القليلة المقبلة، أتى بعد مباحثات مكوكية خاضتها قيادات الحركة والجانب القطري مع المخابرات التركية ومسؤولي الحرس الثوري. فرئيس مجلس إدارة الحركة محمد درويش دفع نحو خيار التعيين وليس الانتخاب، بتولي خليل الحية رئاسة الحركة بعد دعم اثنين من أصل خمسة أعضاء في مجلس إدارة الحركة للحية، هما زاهر جبارين ونزار عوض، وهو ما اطمأن له الجانب الإيراني الذي يرى بالحية خليفة يحيى السنوار في التساوق مع مرامي نظام الملالي وحرسه الثوري.
الجانب التركي هدّد بعدم السماح بانقلاب داخل المكتب القيادي للحركة، بحيث استدعى مؤخرًا كلًا من خليل الحية وزاهر جبارين، لإيصال رسالة بأن انشقاق خالد مشعل سيكون الرد على محاولات استبعاده والمقربين منه من الهرم القيادي للحركة، مع وضع كافة أموال واستثمارات الحركة داخل الأراضي التركية تحت تصرفه.
زيارة الحية وجبارين لأنقرة، تبعها زيارة سريعة لأسامة حمدان وطاهر النونو إلى عاصمة بغداد، في سياق إقناع قيادات الميليشيات العراقية الموالية لطهران بالتوسط لدى جهات داخل الحرس الثوري الإيراني بتخفيف الضغوط الإيرانية الدافعة لتعيين الحية، وقبول مسرحية الانتخابات الداخلية، مع تقديم ضمانات بأن تجري وفق المسار الذي يفضي إلى اختيار خليل الحية.
من يتابع مجريات الانتخابات داخل حماس خلال السنوات والعقود الماضية، يدرك تغوّل يد أنظمة إقليمية وأجهزتها الاستخباراتية في تحديد من يصل إلى المكتب السياسي لحماس من أعضاء ورئيس. فمحاولات استشراف المشهد الداخلي للحركة محصورة بخيارين لا ثالث لهما، وكون اليوم هناك انقسام أنتج تنافسًا محمومًا بين من يريد البقاء ضمن محور إقليمي يسعى لاستعادة دوائر صراع وفوضى قائمة على دماء شعوب الشرق الأوسط، وبين من يريد استنساخ تجربة أيديولوجية إسلامية باتت مقبولة داخل أروقة مؤسسات الحكم الأميركية.


