طفت على السطح سريعًا آثار الاغتيالات الإسرائيلية المستهدفة للخطوط القيادية داخل الهرم التنظيمي لحركة حماس، تارة بالممارسات السياسية من رضوخ وتماهٍ تام مع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتارة أخرى بالممارسات الميدانية من صدامات مسلحة مع عوائل غزية، ومن ثم إعدامات وحشية بحق مواطنين دون مسوّغ قانوني يُفضي إلى محاكمات منصفة وأحكام عادلة.
تركة سياسية كبيرة تقع على عاتق من تبقّى داخل الحركة، وملفات شائكة ومعقدة تحتاج إلى رؤى ومعالجات أشمل من طموحات البعض في السيطرة والنفوذ، ومعادلات إقليمية تحتاج إلى توازن بين أنظمة تتقاطع في مصالحها وأجنداتها في المنطقة. فواقع القطاع اليوم بات عبئًا على بعض هذه الأنظمة، وورقة سياسية مستهلكة على طاولة التفاوض الإقليمي.
كثيرة هي التحليلات السياسية التي تناولت مسارات حماس بناءً على جملة المعطيات السياسية التي تلت الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع الوفد المفاوض الحمساوي في العاصمة القطرية الدوحة، دون ربط حقيقي لما يجري داخل الحركة بعواصم إقليمية تتصارع على إيصال قيادات تدين لها بالولاء على رأس الهرم التنظيمي للحركة.
دلالات جمّة تفيد بقرب انفجار الصراع داخل الحركة، خاصة وأن سياق المجريات بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار يؤكد التخبط السياسي بين تيارات حماس المبعثرة بين عواصم إقليمية وبقايا الحركة في قطاع غزة، وقد بان جليًا من خلال النفي المتكرر والتصحيح لبعض تصريحات قادتها، مما يبرهن بأن حدة الخلافات بينهم تتصاعد حول بيان سياسي جامع لمبادئ الحركة بعد وقف الحرب، ومن ناحية أخرى يثبت ما سبق بقاء حالة عدم الاتفاق والإجماع على تسمية رئيس للمكتب السياسي للحركة.
بين محمد درويش وخليل الحية وزاهر جبارين وموسى أبو مرزوق، ووجود عز الدين حداد على رأس كتائب الحركة المسلحة في القطاع، تشتعل المنافسة التي تديرها قطر وإيران لضمان استمرارية نفوذهما داخل الحركة، بينما تراقب تركيا وجماعة الإخوان المشهد الحمساوي لبيان موقع خالد مشعل وحجم وقوة تأثيره على قرارها السياسي، قبيل اتخاذ قرار انشقاقه الذي بات قاب قوسين أو أدنى بسبب صعود قيادات الصفين الثاني والثالث داخل الحركة، واستحواذها على مصير الحركة ومستقبلها من خلال رفعهم شعارات تدعو إلى تجاوز القيادة التقليدية لحماس، كمرحلة جديدة تعقب مرحلة السابع من تشرين الأول (أكتوبر) التي عصفت بالحركة ومكانتها في القطاع والإقليم.
خالد مشعل وحلفاؤه في الجانب التركي وجماعة الإخوان باتوا على يقين بأن حماس سفينة تغرق، والقفز منها هو السبيل الوحيد. لذلك فإن محاولة إدامة صورتها الحالية درب من دروب المستحيل السياسي في إطار إجماع عربي وإقليمي ودولي على إنهاء أدوار الحركة، وهو ما أسرّ به مشعل مؤخرًا لدائرته القريبة، تحضيرًا لمرحلة قادمة ستشهد تحولات مصيرية في طبقاتها التنظيمية وتحالفاتها.
تحديدًا، ملفا سلاح حماس ووجودها في غزة اللذان سيرسمان المشهد المقبل للحركة، ما زالا يؤرقان المنطقة في ظل التباس حول أفكار ورؤى القيادات الصاعدة والمتحكمة اليوم بمفاصل قرارها، ومدى استجابتها لأجندات محاور وتنظيمات عابرة للحدود.