طرحت عليّ صحفية مرموقة، بل تعد من جهابذة الإعلام السياسي وتعمل في قناة غربية شهيرة، تساؤلاً هذا نصه: "رأينا أنَّ واشنطن لم تدافع عن الدوحة حينما تعرضت لهجوم إسرائيلي، بالرغم من أنَّ بين البلدين اتفاقية أمنية ودفاعية مشتركة، وفي الوقت نفسه نرى أن واشنطن والرياض تريدان عقد اتفاقية أمنية مشتركة، ولكن ما فائدة هذه الاتفاقية بالنسبة إلى السعودية إن لم تبادر واشنطن إلى الدفاع عن الرياض في حال تعرضت إلى أي هجوم كما حصل مع الدوحة؟".
فأجبتها: كل المتابعين للمشهد رأوا أنَّ القاعدة الأميركية في قطر لم تقم بواجبها المناط بها، عندما اخترقت الطائرات الإسرائيلية الأجواء والسيادة القطرية واعتدت عسكرياً. هذا التراخي يلقي بثقله على اتفاقيات الدفاع المشترك القائمة بين أميركا ودول عديدة. وطرحت سؤالاً كبيراً قائلةً: ما الفائدة المرجوة من القواعد العسكرية الأجنبية إذاً؟
وهنا أقول إنَّ الإدارة الأميركية في وضع حرج بسبب صمتها عن الضربة، وأنها ربما حدثت بضوء أميركي في ظل قدرة القاعدة على حماية الأجواء القطرية. والملاحظ أنَّ تجاوزات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العديدة في المنطقة أضرت كثيراً بسمعة أميركا، ورأينا دولاً غربية كثيرة بدأت تتخلى تدريجياً عن دعم إسرائيل بسبب ذلك. ما حدث في الدوحة ليس له تبرير، وبات يشكك في دور أميركا كحليف استراتيجي، وفي موقفها من دعم الاستقرار والأمن، وفي التزامها ببنود الاتفاقيات الموقعة.
وأرى أنَّ أميركا أمام تحدٍ كبير، وملزمة بأن تثبت احترامها لوعودها واتفاقياتها أمام حلفائها وشركائها وأصدقائها، ونحن في وقت نشهد فيه تجاذبات بدأت تلوح في الأفق لتشكيل قوى دولية جديدة ستخلق شكلاً جديداً من التوازنات والمصالح والتحالفات.
وختمت حديثي معها بسؤال: هل الدول الأخرى التي وقعت مع أميركا ستقبل أن تلقى المصير نفسه وتصبح أجواؤها يوماً ما مفتوحة لعدو متربص؟
أما عن تساؤلها حول السعودية، فكان جوابي لها، والذي لا يعبر إلا عن رأيي الشخصي فقط، بالآتي: لا توجد قاعدة أميركية حالياً، والعلاقات الحالية تحكمها مصالح واحترام متبادل للدور والمكانة. والمملكة العربية السعودية لديها قيادة حكيمة تعي مثل هذه المخاطر المحتملة، ولديها مسؤولون يقيمون بنود الاتفاقيات ويختارون الأنسب منها، بفضل مكانتها وتأثيرها، ولديها إمكانيات وعلاقات دولية متعددة تعطيها مساحة كافية لتكون لها كلمة واضحة وموقف يحظى بالاحترام.