في جعبة النظام الإيراني الكثير من الأعذار والتبريرات للتغطية على مختلف الأمور والمواضيع المختلفة بشأن الأوضاع القائمة، لكنه ومهما كثرت أعذاره وتبريراته وتنوعت، فإنها تتبدد وتتلاشى قبالة الأزمة الحادة التي يواجهها والتي يجد نفسه مجبراً على الاعتراف بها لأنه يعلم من الاستحالة التغطية والتستر عليها.
هذه الأزمة ليست جديدة العهد على النظام أو طارئة أو حتى ناجمة عن الأحداث والتطورات غير العادية منذ عام 2023، بل إنها قديمة ولها جذور متأصلة في أعماق النظام، ويكفي أن نشير إلى تصريحات واعترافات من قبل مسؤولين وخبراء في النظام بأن أزمته المستعصية لا يمكن أن تجد لها حلاً حتى لو تم رفع العقوبات الدولية وسمح للنظام بتصدير النفط، وهذا بحد ذاته اعتراف بأن الأزمة متلازمة مع النظام ولها ارتباط وعلاقة جدلية به، ولذلك فإن الحديث عن هذه الأزمة في الحقيقة يعني الحديث عن النظام ذاته وما يواجهه فعلياً.
غير أن هناك أيضاً ملاحظة بالغة الأهمية من غير الإمكان تجاهلها وعدم أخذها بنظر الاعتبار وهي تأثر هذه الأزمة السلبي بالأحداث والتطورات الجارية في إيران والمنطقة والعالم ولاسيما على ثلاثة أصعدة: الأول هو الخاص بأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية المتردية ووجود رفض شعبي ومعارضة وطنية قوية ضده، والثاني يتعلق بمشروعه في المنطقة، أما الثالث فإنه يرتبط ببرنامجه النووي، وهو يعاني أوضاعاً مستعصية على هذه الأصعدة الثلاثة تعكس عمق وحدة أزمته القاتلة حيث يمكن تشبيه ذلك بالمثلث الناري الذي يتواجد النظام بين أضلاعه الثلاثة، والذي يبدو واضحاً بأن النظام لا يجد له سبيلاً للخروج من داخل هذا المثلث لأن نيرانه تحول دون ذلك، والأخطر من ذلك إنها ومع مرور الزمن تزداد اقتراباً منه وهذا ما يحدث حالياً!
التصور بأن هزيمة مشروع النظام الإيراني في لبنان وسوريا حيث كان دوره وتأثيره في هذين البلدين يعتبران بمثابة القاعدة الأساسية لمشروعه في المنطقة، لم يؤثر على النظام سلباً وبصورة غير عادية أو أن حرب الأيام الـ12 لم تترك عليه آثاراً وتداعيات سلبية، هو تصور خاطئ وإلى أبعد حد، وهو يشبه ذلك التصور بأن انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022 قد مرت برداً وسلاماً على النظام وتمكن من القضاء عليها. ففي الحالات الثلاث التي أوردناها يواجه النظام تحديات بالغة الجدية ليس لا يتمكن من عدم تجاهلها فقط، بل وحتى من عدم التمكن من درئها وحسمها لصالحه.
منذ تأسيسه، لم يكن النظام الإيراني في وضع صعب وحرج وغير مسبوق نظير الوضع الحالي المتأزم الذي يعصف به بشدة، والذي صار محور بحوث ودراسات وتحليلات معمقة بهذا الصدد، ولاسيما أن لإيران موقعاً جيواستراتيجياً بالغ الأهمية على أكثر من صعيد، وأن التغيير السياسي فيه سيكون له من آثار وتداعيات على السلام والأمن في المنطقة والعالم. وأغلب الظن أن النظام في ضوء ما قد ذكرناه يواجه أزمة لا يتمكن من حلحلتها، وإن استمرارها وهي مستمرة حتماً ببقاء النظام، ستقوده في النتيجة إلى الانهيار. ولكن، يجب أيضاً الأخذ بنظر الاعتبار أن هناك شعباً غاضباً ومعارضة عنيدة وفعالة تتجسد في منظمة مجاهدي خلق في مواجهة هذا النظام، ولن يتركوه وشأنه ويصرون على إسقاطه.
الكلمة الأخيرة
ومن الجدير بالذكر أن أحدث أنشطة المقاومة الإيرانية تمثلت في المظاهرة الحاشدة والمنظمة التي أقيمت بتاريخ 6 أيلول (سبتمبر) في بروكسل. في هذا اليوم، تجمع عشرات الآلاف من الإيرانيين من جميع أنحاء العالم في ساحة أتوميوم ببروكسل، واستمعوا إلى خطابات السيدة مريم رجوي وشخصيات سياسية بارزة مثل مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي السابق، وغي فيرهوفشتات، رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، وجون بركو، رئيس مجلس العموم البريطاني الأسبق، وباتريك كينيدي، عضو الكونغرس الأميركي السابق، والبروفيسور أليخو فيدال - كوادراس، النائب الأسبق لرئيس البرلمان الأوروبي.
وقد أعلن جميع المتحدثين والمشاركين في المظاهرة عن دعمهم لبرامج منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة من أجل إيران حرة غداً، واعتبروا هذه البرامج الحل الوحيد لتحقيق الديمقراطية في إيران والسلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط.
وفي جزء من كلمته، قال جون بركو: "إنَّ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وخلايا الانتفاضة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق، باتت اليوم أكبر وأكثر نشاطاً وانتشاراً في المجتمع من أي وقت مضى. وفي مقدمة قيادة هذه المقاومة الديمقراطية، تقف السيدة رجوي؛ شخص كرّس حياته بالكامل، ليس لتكديس الثروة، بل للتضحية بكل شيء من أجل قضية إيران الحرة: حرية التعبير، حرية التجمع، حرية الدين، وجمهورية مع فصل الدين عن الدولة، وغير نووية وصديقة للبيئة. إن الحرية في إيران لن تتحقق بفرض خارجي، ولن تُكتسب بالاعتماد على 'عطف' الملالي. الحرية للشعب الإيراني لن تتحقق إلا من خلال الوقوف في وجه الملالي المجانين، والإصرار على دستور ديمقراطي؛ بواسطة تصويت الشعب، حتى تكون لإيران حكومة من الشعب، وبالشعب، ولأجل الشعب...".