خلال التاريخ الحديث والمعاصر، لم تشهد المنطقة والعالم نظاماً سياسياً مثيراً للحروب والأزمات ومتمادياً في استخدام الممارسات القمعية والإعدامات بحق شعبه، كما هو الحال مع النظام الحاكم في إيران منذ 46 عاماً. هذا النظام الذي صار حديث الساعة ويشغل اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية العالمية، أثبت أنه يشكل، وبصورة مستمرة، تهديداً للأمن والسلام في المنطقة والعالم، لا سيما أنه يحاول استغلال المشاكل والأزمات الإقليمية والدولية وتجييرها من أجل تحقيق أهدافه ومآربه المشبوهة. ومن الواضح جداً، عند مراجعة الأحداث والتطورات التي حدثت في المنطقة، أنَّ الدور السلبي المشبوه لهذا النظام هو الطاغي، وإن ما عانته شعوب المنطقة جراء ذلك، وإن كان ملفتاً للنظر، إلا أنه لا يمكن أن يرقى إلى مستوى ما عاناه الشعب الإيراني على يد هذا النظام من ظلم وإجحاف.
النظام الإيراني، ومن أجل أن يتمكن من تنفيذ مخططاته المشبوهة على الصعيدين الإقليمي والدولي، كان يحتاج إلى ضمان عدم وجود أي رفض شعبي إيراني ضده، خصوصاً أن الشعب الإيراني وبعد خروجه من ربقة النظام الدكتاتوري للشاه كان يريد أن يحظى بالحرية واحترام إرادته. ولذلك فإنه، أي النظام الإيراني، نفذ أكبر قدر من الممارسات القمعية التعسفية والإعدامات حتى يتمكن من تنفيذ مخططاته. ويرزح الشعب الإيراني الآن بغالبية 80 بالمئة تحت خط الفقر بسبب مخططات هذا النظام، إلى جانب ممارساته القمعية، والتي دفعت به إلى أربع انتفاضات شعبية، تقدم دليلاً على أن الشعب قد ضاق ذرعاً بالنظام ويريد الخلاص منه بأي ثمن كان.
الخط العام للسياسات المختلفة للنظام الإيراني، والذي يسير على هدى نهج نظرية ولاية الفقيه المتطرفة، تسبب ويتسبب في إلحاق الأضرار ببلدان المنطقة وبالمصالح الدولية فيها. ناهيك عن أن أضرار هذا النظام قد تجاوزت حدود المنطقة ووصلت إلى سائر أرجاء العالم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك محاولاته الأخيرة تعزيز نفوذه في لبنان والعراق من خلال زيارة علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي وأحد الشخصيات السياسية والأمنية الرئيسية في النظام الإيراني، إلى بيروت وبغداد في آب (أغسطس) 2025. هذا المنصب الحساس يجعل من لاريجاني أداة استراتيجية لخامنئي لتنفيذ سياساته الإقليمية. خامنئي، من خلال استغلال صورة لاريجاني كشخصية معتدلة نسبياً، يحاول تقديم وجه معتدل للنظام، لكن الهدف الحقيقي هو تعزيز السيطرة على لبنان عبر حزب الله، وفي العراق عبر الحشد الشعبي، وسط تنامي الدعوات اللبنانية لنزع سلاح حزب الله ورفض التدخلات الإيرانية، كما أكدت تصريحات الرئيس اللبناني جوزف عون والحكومة اللبنانية التي حذرت من أي تدخل أجنبي.
ولذلك فمن الواضح جداً أن هناك العديد من الجبهات التي تقف بوجه هذا النظام وتسعى إلى درء شره وعدوانيته. ومن الواضح أن النظام يعاني كثيراً جراء صراعه ومواجهته على هذه الجبهات التي يمكن ذكر الجبهة الدولية ضد سعيه من أجل حيازة السلاح النووي، والجبهة الإقليمية الدولية ضد تصديره للإرهاب وإثارته للحروب والأزمات، وجبهة حقوق الإنسان ورفض انتهاكاته بهذا الصدد. ومن الواضح أن هذه الجبهات قد يخيم عليها الهدوء أو حتى يطرأ عليها تغييرات جراء مناورات النظام وتمويهه، بيد أن الذي لا بد من أخذه بنظر الاعتبار هو أن الجبهة التي لا يمكن أبداً أن تهدأ ضد النظام وتبقى ساخنة بوجهه هي جبهة الشعب الإيراني التي لن تهدأ إلا بعد أن تجعله يذوق من نفس ذلك الكأس الذي ذاقه نظام الشاه عام 1979.