: آخر تحديث

فكرة إسرائيل الكبرى: التاريخ والتداعيات المعاصرة

0
0
0

فكرة أرض إسرائيل الكاملة، وتُعرف في العالم العربي باسم "أرض إسرائيل الكبرى"، لم تكن في يوم من الأيام فكرة مركزية في تاريخ الحركة الصهيونية، ولا حتى بعد قيام دولة إسرائيل. هذه الفكرة تقوم على التصور التاريخي - الديني للشعب اليهودي كأمة عادت إلى وطنها التوراتي الممتد "من البحر إلى النهر"، وأحياناً حتى إلى ما هو بعد النهر. لهذا التصور جذور في الكتاب المقدس، في الفكر الديني الحاخامي، وفي الأدبيات الوطنية المبكرة للحركة الصهيونية. ومع استحواذ إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة وأورشليم القدس الشرقية والجولان في حرب حزيران (يونيو) 1967، تحوّلت هذه الفكرة من رؤية مجردة إلى برنامج سياسي لبعض التيارات اليمينية اليهودية.

على امتداد العقود الأولى من نشأة الصهيونية، دار الجدل السياسي أساساً بين التيارات البراغماتية، التي كانت تشكل الغالبية، وسعت إلى إقامة دولة يهودية ضمن أيّ حدود ممكنة، وبين التيارات الأيديولوجية التي رأت في التنازل عن أيّ جزء من الأرض مساساً بجوهر الخلاص القومي. لكن فقط بعد عام 1967، ومع عودة السيطرة اليهودية على أورشليم - القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة والجولان، اكتسبت فكرة "أرض إسرائيل الكاملة" مجدداً زخماً لدى اليمين الإسرائيلي. حركات مثل "غوش إيمونيم" دفعت باتجاه استيطان مكثف في هذه الأراضي، باعتبار ذلك واجباً تاريخياً وقيمياً.

في المقابل، التيار الواقعي في الصهيونية، الذي عبّر عنه قادة مثل دافيد بن غوريون، ولاحقاً يتسحاك رابين وشمعون بيرس، رأى أنَّ السيطرة على كامل أرض إسرائيل غير قابلة للتطبيق سياسياً وديمغرافياً. فالسيطرة على ملايين الفلسطينيين من دون منحهم حقوقاً مدنية كاملة تضع إسرائيل أمام معضلة: إمَّا تقويض طابعها الديمقراطي أو التنازل عن الأغلبية اليهودية. علاوة على ذلك، فإنَّ الاحتفاظ بهذه الأراضي أثار ولا يزال يثير معارضة دولية شديدة، مما يضع إسرائيل في مواجهة دائمة مع المجتمع الدولي.

الاصطدام بين تصور "أرض إسرائيل الكاملة" وبين التفكير الواقعي شكّل خط انقسام رئيسياً في السياسة الإسرائيلية منذ السبعينيات من القرن الماضي. مناحيم بيغن، الذي كان يؤمن سابقاً بشمولية الأرض، وقّع اتفاقية السلام مع مصر التي تضمنت الانسحاب من سيناء، في خطوة اعتُبرت خيانة لدى جزء من مؤيديه. لاحقاً، جاءت اتفاقيات أوسلو ومحاولات التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين لتعمّق الفجوة بين المعسكر الأيديولوجي والمعسكر البراغماتي.

في العقود الأخيرة، أصبح واضحاً أكثر فأكثر أنَّ فكرة "أرض إسرائيل الكاملة" غير قابلة للتطبيق في زمننا هذا. أولاً، من الناحية الديمغرافية، يبلغ عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ملايين عدة، ما يجعل الرؤية القائلة بأغلبية يهودية واضحة بين البحر والنهر محل شك. ثانياً، من الناحية السياسية، استمرار السيطرة على كل الأراضي يهدد مكانة إسرائيل في العالم ويعزلها دولياً. ثالثاً، من الناحية الأمنية، فرض السيادة الكاملة على جميع المناطق قد يشعل موجة عنف لا تنتهي ويقوّض الاستقرار وقد يستنزف موارد إسرائيل الاقتصادية.

بدلاً من هذا التصور الشامل، تتعزز النزعة الواقعية التي تدعو إلى حلول مرحلية، تسويات إقليمية، والحفاظ على الهوية اليهودية - الديمقراطية للدولة مع التشديد على أمنها. تبقى فكرة أرض إسرائيل الكاملة مصدر إلهام لتيارات أيديولوجية معينة، لكنها كأساس لسياسة دولة عصرية ذات سيادة لم تعد قابلة للتحقق.

خلاصة القول، إنَّ فكرة أرض إسرائيل الكاملة ما زالت قائمة كحلم لدى تيار أيديولوجي يهودي، وربما هذا ما حدا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى القول إنه يتضامن مع هذا الحلم، لكنَّ الحقائق الديمغرافية والسياسية والأمنية تفرض الاعتراف بأنها غير ممكنة اليوم وتتناقض مع الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل. كفكرة قد تبقى في الخطاب العام، لكنَّ الصهيونية البراغماتية هي التي ما زالت تملي جدول الأعمال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.