لطالما كانت العلاقة بين واشنطن ودمشق محفوفة بالتوتر والتقلبات. لكن خلال فترة ما بعد عودة الرئيس دونالد ترامب من جولته الخليجية الأولى، ساد انطباع في العاصمة الأميركية بأن عهدًا جديدًا قد بدأ. كانت التوقعات مرتفعة، وتحدث الكثيرون عن "عهد ذهبي جديد" في العلاقات الثنائية. كان هناك شعور بأن واشنطن قررت أن تقف بالكامل إلى جانب سوريا في عملية التحول التاريخي، وأنها ستمُد يد العون الكاملة لدمشق لتصبح نموذجًا للاستقرار في الشرق الأوسط. كان هذا التوجه يهدف أيضًا إلى احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
هذا الانطباع الإيجابي استمر لعدة أسابيع، مدعومًا برسائل الثناء المستمرة من البيت الأبيض تجاه الحكومة السورية الجديدة التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، لكنَّ هذا المشهد سرعان ما تغير وبدأ الخطاب في واشنطن يتحول تدريجيًا نحو السلبية، وتوقفت رسائل الثناء من البيت الأبيض. تراجعت وزارة الخارجية، كما يشير المبعوث الرئاسي توم براك، عن الدفع بالإجراءات المتعلقة برفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب. كان هذا التجميد بطلب من الوزير مارك روبيو الذي يُعتبر أحد أكثر الشخصيات نفوذًا وتأثيرًا في فريق ترامب الإداري. ويُعتقد أن روبيو طلب من مساعده في وزارة الخارجية تجميد هذه الإجراءات، مُشددًا على أن الخطوات القادمة يجب أن تكون مرتبطة بمدى التزام الحكومة السورية بالتقدم على الأرض.
هذا التغيير لم يقتصر على السلطة التنفيذية بل امتد إلى الكونغرس. فالأصوات التي كانت تدعو إلى إلغاء قانون قيصر ومراجعة العقوبات المفروضة على سوريا بدأت تتراجع. بل إن بعض هذه الأصوات أصبح يرى أنه من الأفضل للولايات المتحدة أن تُبقي على مرونة هذه العقوبات وألا تتسرع في رفعها بالكامل. هذا التوجه يهدف إلى ضمان أن تلتزم الحكومة السورية بالاتفاقات التي وقعتها مع الجانب الأميركي.
يؤكد الكثيرون في واشنطن أنَّ الموقف الأميركي من سوريا قد دخل مرحلة جديدة، وهناك قناعة بأنَّ التوقعات العالية التي كانت موجودة في المرحلة السابقة لم يتحقق منها الكثير على الأرض. فقد شكَّلت أحداث السويداء اختبارًا حقيقيًا للحكومة الجديدة في دمشق، وظهرت شكوك حول مدى التزامها بتمثيل كافة السوريين. إذ تعتبر واشنطن أن على الحكومة السورية أن تُثبت أنها قادرة على تمثيل مختلف المكونات العرقية والاجتماعية والدينية.
لقد أصبح شرط واشنطن الجديد لاستئناف العلاقات الودية هو محاسبة أي شخص، سواء كان اجتماعيًا أو سياسيًا أو عقائديًا، حتى لو كان من الدائرة الضيقة للرئيس الشرع، إذا كان له يد في أحداث السويداء. يجب أن تتحمل الحكومة المسؤولية القانونية والقضائية وتفي بالتزاماتها أمام الرأي العام المحلي والدولي.
هناك مؤشر آخر على أنَّ العلاقة بين واشنطن ودمشق تمر بمنعطف مُقلق، وهو زيارة الوفد السوري الرفيع إلى العاصمة الروسية موسكو. فمن المعروف أنَّ تاريخ سوريا الحديث قائم على هذه الازدواجية: كلما ضعف التقارب الأميركي السوري، زاد دور موسكو في سياسات دمشق. وتوقيت هذه الزيارة يشير بوضوح إلى أنَّ "الخط" مع واشنطن لم يعد دافئًا كما كان قبل أحداث السويداء.
خلاصة القول إنَّ الوضع على الأرض لا يُبشر بالخير ليس فقط لصناع القرار العالميين والإقليميين، بل للشعب السوري نفسه، وهناك فجوة كبيرة بين ما يظهر في الإعلام وما يجري في الواقع، خاصة في ما يتعلق بمؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والأمن. وفي ظل هذا التدهور، قد تتحقق التقديرات القديمة التي أشارت إلى أنَّ سوريا تتجه نحو مسار صعب شبيه بالمسار الذي مر به لبنان الشقيق الذي لا يزال يعاني من آثار حربه الأهلية. نتمنى أن يكون هذا التقدير خاطئًا وأن تتمكن سوريا من تجاوز هذه المرحلة الصعبة بسرعة.