أثار إعلان الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، امتناعه عن زيارة الولايات المتحدة طالما بقي دونالد ترامب في البيت الأبيض - محاكاةً لموقف والده الملك فيصل بن عبدالعزيز - موجةَ تأملٍ عميقةٍ في جدوى المواقف الفردية أمام ازدواجية السياسات الدولية. هذا الموقف الرمزي ليس مجرد احتجاجٍ شخصي، بل صرخةٌ مدويةٌ تعكس أزمة الثقة التاريخية بين العالم العربي والمؤسسات الدولية التي تتحيز بشكل صارخ لصالح إسرائيل.
جذور الأزمة: تاريخ من المعايير المزدوجة
- الانحياز النووي: بينما تواجه إيران تهديداتٍ عسكرية بسبب شبهاتٍ نووية، تمتنع إسرائيل عن التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وتمتلك ترسانة نووية مؤكدة دون أي ضغوط دولية.
- التغطية على العدوان: يندد الغرب بالعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، بينما يغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين أو الضربات الأحادية ضد إيران.
- تسويغ العدوان: يُبرر الهجوم الإسرائيلي على إيران بتصريحات القادة الإيرانيين، بينما تُتجاهل دعوات نتنياهو المتكررة منذ 1996 لتدمير الحكومة الإيرانية.
جدول مقارنة المعايير المطبقة على إسرائيل والدول الأخرى
* المعيار المُطبق على الدول الأخرى * المعيار المُطبق على إسرائيل * القضية
* تهديد عسكري لشبهات غير مثبتة
* لا تفتيش دولي – لا عقوبات * البرنامج النووي
عقوبات فورية (مثل حالة روسيا) *
* صمت دولي أو دعم العدوان العسكري *
* استخدامها مبررًا للضربات الوقائية * تجاهل أو تبرير التصريحات العدائية *
وحدة الموقف العربي: الدرس المستفاد من تاريخ الملك فيصل
موقف الملك فيصل التاريخي عام 1945 (عندما امتنع عن زيارة أمريكا بعد خيانة ترومان لوعد روزفلت بدعم القضية الفلسطينية) لم يكن رد فعل عاطفيًا، بل كان إستراتيجية ذات أبعاد ثلاثية:
1. الرمزية: تحويل الموقف الفردي إلى رسالة سياسية عالمية.
2. المبدأ: رفض المساومة على الثوابت العربية.
3. التضامن: توحيد الصف العربي خلف قضية محورية.
نحو إستراتيجية عربية موحدة: أربعة أركان أساسية
1. توحيد الخطاب الدبلوماسي:
- تشكيل كتلة عربية موحدة في الأمم المتحدة لتقديم قرارات متلاحقة تكشف ازدواجية المعايير.
- توثيق انتهاكات إسرائيل للنظام الدولي في تقارير موحدة بلغات متعددة
2. الضغط الاقتصادي الذكي:
- توجيه الاستثمارات العربية بعيدًا عن الدول الداعمة للانحياز الإسرائيلي.
- دعم مقاطعة السلطات التي تشارك في تهويد القدس
3. حشد الرأي العام العالمي:
- الاستفادة من التحول في مواقف الشعوب الغربية التي بدأت تنتقد سياسات حكوماتها المنحازة.
- إبراز التناقض بين القيم الغربية المعلنة (كحق تقرير المصير) وممارساتها في فلسطين
4. الدبلوماسية الوقائية:
- إنشاء مرصد عربي لرصد الانتهاكات الدولية ومحاكمتها قانونيًا.
- تحالفات تكتيكية مع قوى دولية صاعدة لخلق توازن جديد.
الدبلوماسية الموحدة: بديل عن الصدام
قرار الأمير تركي الفيصل - رغم قوته الرمزية - يذكرنا بأن المواقف الفردية وحدها لا تكفي. فكشفه أن ترامب أجاز ضرب منشآت إيرانية نووية بناءً على وعود نتنياهو يؤكد أن التغيير الحقيقي يحتاج عملًا جماعيًا منظمًا. الوحدة العربية ليست اختيارًا بل ضرورة وجودية في عالم لم يعد فيه للضعيف مكان.
اللحظة الفاصلة
التاريخ يعيد نفسه: فكما استخدم الملك فيصل موقفه الشخصي لفضح الخيانة الغربية عام 1945، يأتي موقف نجله اليوم ليكشف زيف النظام الدولي. العرب أمام مفترق طرق: إما توحيد الصفوف وتحويل هذه المواقف الرمزية إلى قوة ضاغطة مؤثرة، أو الاستمرار في دائرة ردود الأفعال المنفردة التي تجعلنا في مؤخرة الأمم. الوحدة ليست شعارًا، بل سلاح البقاء الوحيد في عالم لا يحترم إلا الأقوياء.
"في عالم يسوده الإنصاف، كنا سنرى قنابل القاذفات الأمريكية تمطر ديمونا الإسرائيلي لا إيران"
- الأمير تركي الفيصل.