كشفت تقارير غربية أنَّ أميركا أقدمت خلال الأيام الماضية على نقل منظومات الدفاع الجوي، من ضمنها منظومات اعتراض المسيرات، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، لتعزيز جهوزية قواتها المنتشرة في البحار والقواعد العسكرية العديدة في غير بلد. وحسب وسائل الإعلام الأميركية، فإنَّ هذه الإجراءات ناجمة عن قرار استراتيجي اتخذته وزارة الدفاع "البنتاغون"، وأبلغت به "الكونغرس"، من دون الاهتمام بمدى أهمية هذه المنظومات بالنسبة إلى أوكرانيا وحاجتها الماسة إليها.
قلق زيلينسكي
وبالرغم من أنَّ العنوان العريض لهذا القرار هو ارتفاع احتمالية دخول أميركا على خط التصعيد بين إسرائيل وإيران، أو على الأقل توظيفه ضمن أدوات الضغط القصوى على طهران من أجل الرضوخ لشروط واشنطن الصارمة وتوقيع اتفاق معها، يشمل نقل المواد النووية والصواريخ الباليستية إلى بلد ثالث، بالإضافة إلى إنهاء شبكة الوكلاء الإقليميين، إلا أنه يشكل ترجمة عملية لاستراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترامب بإهمال المسألة الأوكرانية، والتي بلغت حد القول بأنها "ليست حربنا" في تصريحات له على هامش قمة زعماء حلف شمال الأطلسي "الناتو" منذ أسابيع.
يعل هذا الأمر كييف في مواجهة تحديات شديدة التعقيدات، لا سيما أنها تعتمد منذ اندلاع الصراع في شباط (فبراير) 2022 على سيل هائل من الموارد العسكرية النوعية والمساعدات المالية من أميركا، وبدرجة أقل من حلفائها الأوروبيين. إزاء هذا القرار، تجد أوكرانيا نفسها فريسة "كابوس المدن المكشوفة" أمام القوات المسلحة الروسية، حيث تحتل منظومات الدفاع الجوي أهمية قصوى.
ثمة خشية جدية في أوكرانيا من توقف المساعدات وتأثر الإمدادات العسكرية بتطورات الصراع في الشرق الأوسط. وكانت صحيفة "تلغراف" البريطانية نشرت في 15 حزيران (يونيو) الجاري تقريراً يتحدث عن خسارة أوكرانيا للحليف الأميركي عقب تخفيض واشنطن لإمدادات المساعدات العسكرية، وكذلك الحال بالنسبة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتي كانت تستفيد منها كييف خلال عهد إدارة جو بايدن لعرقلة تحركات القوات المسلحة الروسية.
لذلك عبّر الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي عن قلقه الشديد من تراجع اهتمام أميركا والغرب ببلاده على ارتفاع حدة التصعيد بين إسرائيل وأميركا، وإمكانية اندلاع حرب كبرى في الشرق الأوسط، وتأثير ذلك على الصراع الأوكراني، حيث أبدى تذمره خلال مقابلة مع شبكة ABC الأميركية منذ أيام قليلة من تحويل واشنطن نحو 20 ألف صاروخ لإسرائيل كانت في الأصل مخصصة لكييف.
استراتيجية ترامب
يكشف هذا القرار مدى جدية ترامب في السير بالتعهدات التي قطعها خلال حملته الانتخابية إزاء المسألة الأوكرانية بالذات، واعتبارها حملاً خاسراً على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي، خصوصاً في ظل تفشي الفساد بشكل هائل داخل إدارة زيلينسكي. علاوة على ذلك، بيّنت مجلة "إنترست" الأميركية أن قرار نقل منظومات الدفاع الجوي جاء عقب الهجوم الإرهابي الذي شنته أوكرانيا، بالتعاون مع بريطانيا، واستهدف مواقع استراتيجية في العمق الروسي، في دلالة على موقف واشنطن الرافض لمثل هذه العمليات.
يعتبر ترامب أن مصالح بلاده تقتضي الانفتاح على روسيا والتعاون معها في العديد من القضايا الحيوية، والتي تعود بفوائد جمّة على الاقتصاد، تتيح له التخفيف من وطأة التضخم، والإنفاق على استثمارات سياسية والإيفاء بالتزامات عسكرية أثبتت الوقائع هشاشة عوائدها الاستراتيجية.
ومع ذلك، فإن زيلينسكي لا يزال يضغط بشكل كبير لترميم تحالفه المتداعي مع واشنطن، بالشراكة مع حلفائه الأوروبيين، عبر محاولته شراء المزيد من شحنات الأسلحة، وكان يسعى إلى لقاء ترامب على هامش قمة "مجموعة السبع" في كندا من أجل إبرام اتفاق بهذا الخصوص، دون أن يُتح له ذلك بسبب مغادرة الرئيس الأميركي السريعة.
في المقابل، أجرى الرئيس الروسي اتصالاً هاتفياً مطولاً بنظيره الأميركي، هو الثاني من نوعه خلال أسبوع، تباحثا فيه بشأن تطورات الصراع بين إسرائيل وإيران، مع تهميش المسألة الأوكرانية التي حضرت لماماً حسبما كشف ترامب بنفسه عبر منشور له على منصته "تروث سوشيال"، بما يعكس حجم التحول في الاستراتيجية الأميركية.
يبدو أن واشنطن تستثمر ارتفاع التصعيد في الشرق الأوسط من أجل تسريع عملية انسحابها من الصراع في أوكرانيا، حيث من المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة المزيد من الإجراءات التي تدعم هذا المسار، بما يسهل على روسيا مهمة فرض شروطها من أجل إبرام اتفاق سلام، من خلال تسجيل المزيد من التقدم الميداني على مختلف الجبهات، وزيادة الضغط العسكري على كييف في ظل انكشاف سماء المدن الأوكرانية.