كشف النقاب مجددًا عن أبعاد مروعة وموثقة أخرى لمذبحة السجناء السياسيين في صيف عام 1988، وذلك من خلال نشر النسخة الثانية من التسجيل الصوتي لآية الله المنتظري، نائب الخميني المعزول، يوم الاثنين الموافق 14 نيسان (أبريل) 2025، عبر إذاعة بي بي سي الفارسية. هذا التسجيل الصوتي، الذي يمثل جزءًا فقط من اللقاء الثاني للسيد المنتظري مع أعضاء "هيئة الموت" (اللجنة التي عينها الخميني لتحديد مصير السجناء) والذي حُذفت أجزاء منه، يؤكد ليس فقط على الإبادة الجماعية لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية والإعدامات الواسعة النطاق التي طالت جماعات سياسية أخرى بأمر مباشر من روح الله الخميني، بل يشكل أيضًا شهادة حية على الحق التاريخي لمجاهدي خلق المتمسكين بمبادئهم وعلى عدالة مقاومتهم الثورية ضد نظام ولاية الفقيه البغيض. تستند هذه المقالة إلى محتوى هذا التسجيل الصوتي والتقارير القانونية الدولية، لدراسة الأبعاد القانونية والسياسية لهذه الجريمة الكبرى والتأكيد على المسؤولية الجنائية للآمرين والمنفذين.
الكراهية العامة لنظام ولاية الفقيه والاعتراف بحقانية المقاومة:
ضمن هذا التسجيل الصوتي، يعترف المنتظري بالكراهية العميقة والشاملة التي يكنها الشعب الإيراني لشخص الخميني ونظام ولاية الفقيه، مشيرًا إلى نقطة صادمة: "لقد باتت ولاية الفقيه مقززة للشعب، والناس سئموا منها... حتى العائلات التي قتلنا أبناءها تقول الآن بأن المنافقين كانوا على حق... لو أننا استقطبناهم باللين والمداراة والمحبة وأشياء من هذا القبيل، لقل عددهم، لكننا نزيدهم باستمرار". هذا الاعتراف لا يكشف فقط عن عمق عزلة النظام بين الشعب، بل يقر ضمنيًا بحقانية وجهات نظر المعارضين ومقاومتهم ضد هذا النظام.
التأكيد على جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية عام 1988:
كما كان واضحًا في التسجيل الصوتي الأول الذي نُشر عام 2016، أكد المنتظري خلال لقائه بأعضاء "هيئة الموت"، بمن فيهم إبراهيم رئيسي (الرئيس الإيراني السابق الذي قُتل في حادث تحطم طائرة هليكوبتر العام الماضي) وحسين علي نيري (الرئيس السابق لـ "هيئة الموت" في مذبحة عام 1988 والذي توفي في الثالث من نيسان (أبريل) الجاري)، صراحةً على أن هذه الإعدامات كانت "أكبر جريمة"، مشددًا على أن "هذه المذبحة بدون محاكمة، بحق سجناء وأسرى، كانوا أسرى لديكم، ستكون بالتأكيد لصالحهم على المدى الطويل والعالم سيديننا". ويؤكد نشر التسجيل الصوتي الثاني على استمرار هذا الرأي وعمق الكارثة التي وقعت عام 1988.
الإعدامات الجماعية والانتهاك الصارخ لحقوق المرأة:
يشير جزء آخر من التسجيل الصوتي الثاني للمنتظري إلى الإعدامات الوحشية والمتسرعة لـ 300 امرأة من مجاهدي خلق اللواتي تم القبض عليهن خلال عملية "فروغ جاويدان" في محافظة كرمانشاه. ويروي المنتظري كيف أصدر خلخالي بلا رحمة أمرًا بإعدامهن جميعًا، دون أدنى اعتبار لحقيقة أن اثنتين منهن كانتا فرنسيتين. هذا مثال صارخ على الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، خلال هذه المذبحة، مما يدل على الكراهية والعنف المطلقين اللذين يكنهما النظام ضد معارضيه، وخاصة النساء الرائدات.
الإعدام بتهمة الاعتقاد:
يستطرد المنتظري بالإشارة إلى وصية بطلة من مجاهدي خلق من طهران وقفت بشجاعة على مبادئها أمام جلادي المذبحة، منتقدًا الأسس الفقهية لهذه الإعدامات قائلاً: "كان النور يتلألأ من كل كلمة في وصيتها... هذه الفتاة التي تؤمن بالله ورسوله والقرآن وكل شيء، تقول فقط بأن هذه الجمهورية الإسلامية لا تتفق مع ذوقي، هل يجوز إعدامها؟ أي فقه هذا؟". هذه الكلمات تكشف بوضوح أنَّ العديد من الذين أُعدموا كانوا ضحايا هذه الجريمة الكبرى لمجرد امتلاكهم آراء معارضة ودون ارتكاب أي عمل عنيف.
تأكيد الإبادة الجماعية من قبل المقرر الخاص للأمم المتحدة:
تؤكد تصريحات المنتظري في هذا التسجيل الصوتي مرة أخرى على صحة التقارير القانونية الدولية، وخاصة تقرير البروفيسور جاويد رحمان، المقرر الخاص للأمم المتحدة، في تموز (يوليو) 2024. وصف رحمان في تقريره مذبحة عام 1988 بأنها "جريمة ضد الإنسانية" و"إبادة جماعية"، مؤكدًا على أن "هناك أدلة كبيرة على أن عمليات القتل الجماعي والتعذيب والأفعال اللاإنسانية الأخرى ضد أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية قد ارتُكبت بنية الإبادة الجماعية".
وأكد المقرر الخاص للأمم المتحدة أيضًا على المسؤولية الجنائية الواسعة للآمرين والمنفذين لهذه الجرائم، بدءًا من قيادة النظام وصولًا إلى القضاة والمدعين العامين وأعضاء "هيئة الموت" والمسهلين لهذه الجرائم، ودعا إلى إنهاء إفلاتهم من العقاب. ويبرز نشر التسجيل الصوتي الثاني للمنتظري مرة أخرى ضرورة محاسبة هؤلاء الأفراد أمام العدالة الدولية.
الخلاصة:
يشكل التسجيل الصوتي الثاني لآية الله المنتظري دليلًا قاطعًا آخر على الأبعاد المروعة للإبادة الجماعية عام 1988 والجرائم اللاإنسانية التي ارتكبها نظام ولاية الفقيه ضد معارضيه. هذه الشهادات التاريخية، جنبًا إلى جنب مع التقارير القانونية الدولية الموثقة، تكشف بشكل أكبر عن المسؤولية الجنائية للآمرين والمنفذين لهذه الجريمة الكبرى. يقع على عاتق المجتمع الدولي، وخاصة منظمات حقوق الإنسان والمحاكم الدولية، واجب متابعة هذه الجريمة ومحاكمة مرتكبيها، كخطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة ومنع تكرار مثل هذه الفظائع. إن مقاومة الشعب الإيراني ومنظمة مجاهدي خلق ضد هذا النظام المجرم ليست مجرد حق مشروع لهم، بل هي أيضًا ضمان للحرية والعدالة في مستقبل إيران.