خالد بن حمد المالك
قلنا: إن حركة حماس يسّرت لإسرائيل تحقيق أهداف لم تكن لتحلم بها، فما قامت به الحركة في السابع من أكتوبر جيَّشَ العالم للتعاطف مع إسرائيل للانتقام والدفاع عن النفس، لكن إسرائيل تجاوزت التعاطف الدولي إلى استثمار الفرصة لإنهاء القوة العسكرية لدى حماس وسوريا وحزب الله في لبنان، ولم تكتف تل أبيب بذلك، وإنما احتلت أراضي في لبنان وسوريا، وفي طريقها لاحتلال كامل غزة والضفة الغربية، ويقول رئيس وزراء إسرائيل بأنه غير وجه الشرق الأوسط.
* *
نفس الكلام نقوله عن تنظيم ميليشيا الحوثيين في اليمن، الذي دخل في مغامرة انتصاراً لغزة، كما يدعي، فتحدى العالم باستهداف بواخر التجارة الدولية في البحر الأحمر بمسيراته وصواريخه، مع أن هذه البواخر العملاقة تخص دولاً ليست طرفاً في الحرب مع إسرائيل، والمتضرر من هذا التصرف كل دول العالم بدون استثناء، لكن المتضرر الأكثر هو اليمن والحوثيون الذين دفعوا الثمن بقتل إسرائيل لعدد من قادتهم، والقضاء على جزء كبير من أسلحتهم، وإزالة الكثير من المنشآت، خاصة المطارات، والموانئ، ومحطات الكهرباء، ومصانع الأسمنت، إلى جانب ما أحدثته الضربات الأمريكية من أضرار.
* *
وكما تتحمل حماس مسؤولية ما جرى في القطاع والضفة الغربية، وامتداداً في سوريا ولبنان، فإن الحوثيين مسؤولون بالكامل عن الضربات التي تعرض لها شمال اليمن، سواء من الولايات المتحدة الأمريكية، أو من إسرائيل، وعن الآثار المترتبة عليها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ولا يمكن إعفاء الحوثي من المسؤولية في جر اليمن إلى هذا المستنقع منذ انقلابه على الشرعية، وتحويل جزء من اليمن إلى ساحة للقتال، تنفيذاً لأجندة خارجية.
* *
وها هو الحوثي بعد كل العنتريات، يعلن استعداده لوقف الاعتداء على حركة الملاحة بالبحر الأحمر، ويؤكد استعداده للاستسلام أمام فشله في مقاومة الضربات الأمريكية، ثم في صد الهجوم الأعنف والأقوى والأكثر تأثيراً من إسرائيل، التي لم تترك فرصة للحوثي للتصدي والمقاومة، وقد تنوعت الضربات الإسرائيلية من حيث التوقيت بين الليل والنهار، وسبقها التحذير بإخلاء مطار صنعاء، ومواقع أخرى استعداداً لضربها، دون وجود استعداد حوثي لمواجهة القوة الإسرائيلية المعلن عنها مسبقاً.
* *
لقد رفضت هذه الميليشيا كل المبادرات والخيارات للمصالحة بين اليمنيين، وإعادة اللحمة بين الإخوة الأشقاء، وتمكين كل اليمنيين من المشاركة في إعادة بناء الدولة اليمنية العربية المستقلة، وجنحت إلى الحرب، والتعاون مع الخارج، لإيجاد وتوفير المناخ الذي يزعزع الاستقرار والأمن، ويجعل المنطقة على كف صراعات بدأت، ويريد الحوثيون أن تستمر، خدمة لأجندة أجنبية.
* *
وأمام هذه الهزيمة المذلة، والخسائر الفادحة، آن للحوثيين أن يستجيبوا لصوت محبي السلام، ودعاة الخير، ولأولئك الذين يحرصون على مصالح اليمن، بالاتفاق والاصطفاف مع هؤلاء لإعادة بناء اليمن السعيد، وإبعاده عن شبح الانهيار، الذي ظهرت ملامحه من خلال ما أفرزته حروب الحوثيين منذ استيلائهم على السلطة في صنعاء وإلى الآن.
* *
نعم، الحوثيون يتحملون المسؤولية في جر اليمن إلى حروب ليس في مقدورهم الخروج منها دون هزائم وخسائر مدوية، وحسناً أنهم أخيراً قبلوا بالاستسلام للأمريكيين، وتعهدوا بعدم تعريض الملاحة في البحر الأحمر للخطر، والتزامهم بعدم إطلاق النار على أي من البواخر التجارية التي تجوب البحر الأحمر، وأنهم لا يرغبون بالاستمرار في الحرب كما أعلن ذلك الرئيس ترامب، لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لكانوا واجهوا الجحيم، وهذا درس مهم، وعليهم أن يستوعبوه.