: آخر تحديث

فاتِنات عربيات تَغَزَّلن بجمالهن

9
8
7

علي الخزيم

= كان الحديث بزاوية سابقة عن مقاييس العرب لوسامة الرجل؛ وأنهم لا يقتصرون بهذا على الجمال الظاهري بل يُقدّمون جمال المَخبر وجُملة الفضائل التي يتحلَّى بها الرجل وتزيده قبولًا ومكانة عندهم؛ وإنهم لا يَحفَلُون - كرجال - بجمال الصورة دون غيرها من صفات الرجل الأخلاقية، كما تناول الحديث موقف نسائهم أمام حسن مظهر الرجال؛ إذ إن نساء العرب مع ما وهبهن الله من سمو المشاعر ورقة العواطف يأنفن من التّغزل (شِعرًا) بالرجل؛ وجِئت بتلميح عن مُدونات لحالات نادرة بهذا الاتجاه الإنساني العاطفي وهو مِمَّا وصف بجَيِّد القَصِيد.

= وامتدادًا لذاك الحديث أنقل ما رُوِي عن ابن أبي داود: (ليس أحد من العرب إلا وهو يقدر على قول الشعر، طَبع ركّب فيهم، قلَّ قوله أو كثر، فإن صَدَقَ هذا على رجالهم صَدَقَ على نسائهم؛ إذ الطبع واحد واللغة متفقة والغريزة لا تختلف، وإنما يتفاوت الجنسان في فنون القول لا في القول نفسه، ثم في براعة الصناعة من جهة قوة الشعر وسَبْكِه ورصفه والتئامه، ومن ناحية المَعنى وصحته والإبداع فيه؛ أما في استقامة الألفاظ وفصاحتها؛ وفي استقامة الأوزان الشعرية بعضها أو كلها فما أحسب ذلك يُعيِي أحدًا منهم - رجالًا ونساءً - متى أراد وحمل طبعه عليه، إن لم يكن في جميعهم ففي أكثرهم).

= أقول: والعرب قاطبة ترى أن هذه الموهبة والمَلَكة الشعرية بكل أغراضها باتت طبيعة لا تَنفَك عنهم؛ غير أن النّقاد يرون أن نظرية (البقاء للأفضل) تَصدُق على الشعر والشعراء العرب؛ فإذا تأملت الحالة الأدبية الثقافية لأمة كالعرب جُلّها شعراء منذ الأزل فلا بد إذن أن تحل بينهم التنافسية التلقائية التي تعمل مع الزمن على تنحية ضعيف البُنية الشعرية وقليل الذخيرة المَهارية الفكرية؛ فلا يثبت منهم سوى من كان فوق العادة؛ فائق الحذق باجتلاب الصور الذّهنيّة بالقصيد؛ نادر التذوق للسبك والمعاني، والمرأة العربية الشاعرة لم تكن بمنأى عن هذه الاعتبارات التَقيِيمِية فلم ينتشر لهن قول بالغزل وهوى القلوب سوى النادر الجميل العفيف؛ وقد يكون مرد ذلكم لمكانة المرأة بالقبيلة وتأجج غيرتهم عليها تكريمًا لها.

= وبالتجوال بين الدواوين الشعرية وكتب الأدب العربي وما رصِد من واقع نساء تلك الحُقَب الزمنية وتَرَنُّمهن بالقصيد العاطفي: يظهر أن هناك من كان جمالهن الفاره الباذخ مُتكأً لهن ومبررًا للتغني به وبكونه رمزًا للتفوق على القرينات من الصبايا بالحي والمضارب والمرابع؛ وهي حالة تأتي قبل نظرات الرجال نحوهن؛ مِمَّا أذكى لديهن غريزة التّغزل اللطيف بلا ابتذال للمفاتن ومحاسن الوجه؛ فإنهن لو فَعلن لسَقَطن من الأعين كافة! غير أن منهن من خرجن عن القاعدة وتباهين بجمالهن الأخَّاذ كالفاتنة بالعصر الوسيط (سَلمى) وقد قالت تتغزل بنفسها:

(عُيونُ مَها الصريم فِداءُ عَيني

وَأَجيادُ الظباءِ فداءُ جيدي)

ومَها الصّريم: صغير ظباء تَميّزت بجمال عيونها، ومن صريح تصوير الاشتياق ما قالته إحداهن:

(جَرَيتُ مع العُشّاق في حَلْبَة الهَوى

فَفُقتُهم سَبْقاً وجئت على رِسلِي

فما لَبس العُشّاق مِن حُلَل الهَوى

ولا خَلعُوا إلا الثياب التي أبْلِي)


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد