الرباط: فجر تأهل المنتخب المغربي، قبل أيام، إلى نهائيات كأس العالم، بعد غياب دام عشرين سنة، فرحة عارمة بين المغاربة، داخل البلد، وفي مختلف البلدان التي تحتضن مهاجرين مغاربة.
وحيث أن "الانتصار أحلى عندما تكون قد جرّبت الهزيمة"، كما يقال، فقد أكد احتفال المغاربة بالفوز على كوت ديفوار، خارج الديار، بهدفين نظيفين، وبالتالي التأهل إلى كأس العالم روسيا 2018، تعطشاً لفوز انتظروه طويلاً؛ وهو انتظار رافقته إحباطات وهزائم خلفت غصة وحزناً في النفوس، قبل أن يأتي التأهل ليؤكد أن بإمكان النصر أن يمحو آثار أكثر الأعمال فشلاً.
ثناء على "المهندس"
حيث أن "النصر لا يأتي إلا إذا ذهبت إليه" ، وأن "الكثير من الحسابات تؤدي إلى النصر، والقليل منها يؤدي إلى الهزيمة"، فقد خرجت أصوات كثيرة، بعد تحية المدرب واللاعبين، لشكر "القائد" الذي "هندس للنصر"، ممثلاً في فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، مشيرين إلى أنه "أعاد لكرة القدم المغربية هيبتها"، و"صعد إلى مركز القرار في الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم"، و"حارب الفاسدين داخل المشهد الكروي المغربي"، و"طهره من الدسائس"، كما "تابع بلباقته المنتخب الوطني"، و"استقطب اللاعبين من أبناء المهاجرين"، علاوة على أنه "رجل مبادئ وتواصل"، "يربط القول بالفعل"، مشددين على أنه "يستحق الشكر والثناء بعيداً عن لغة التنميق والرياء"، مشيرين، بعد النتائج الأخيرة التي حققها المنتخب الوطني لكرة القدم، إلى أن أغلب لاعبي هذا المنتخب، من قبيل امبارك بوصوفة والمهدي بنعطية ويونس بلهندة وكريم الأحمدي ونبيل درار، الذين ساهموا في قيادة المغرب إلى المونديال الروسي، كانوا حاضرين دوماً في تشكيلة هذا المنتخب، في عهد سابق، تحت إمرة عدد كبير من المدربين، من دون أن يحققوا ما تحقق لهم في عهد فوزي لقجع والناخب الفرنسي هيرفي رونار، اللذان ضخا دماء جديدة وبعثا روح الفريق في المجموعة، بشكل يؤكد أن "الشجاعة تَصنَعُ المنتصرين، والوفاق يصنع الذين لا يُهزمون"، إلى درجة أن المنتخب المغربي تأهل إلى نهائيات كأس العالم من دون أن تستقبل شباكه أي هدف خلال مرحلة المجموعات من التصفيات الأفريقية، التي قابل خلالها منتخبات مالي والغابون وكوت ديفوار.
بين بركان والرباط
تقول سيرة لقجع إنه ولد سنة 1970 بمدينة بركان (شرق المغرب)، من أسرة محافظة، مكونة من ثلاثة إخوة وأم ربة بيت وأب عمل في التدريس، قبل أن ينهي مساره الوظيفي مفتشاً متقاعداً. لذلك، تابع مرحلة الدراسة الابتدائية والثانوية بمسقط رأسه، حيث حصل على شهادة البكالوريا( الثانوية العامة) ، في شعبة العلوم التجريبية، سنة 1988، ليلتحق بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، حيث تخرج بشهادة مهندس زراعي، والتحق بوزارة الفلاحة، قبل أن يكمل دراسته بالمدرسة الوطنية للإدارة، التي فتحت أمامه أبواب العمل بالمفتشية العامة للمالية، قبل أن ينتقل للعمل كرئيس لشعبة المجالات الإدارية. وفي 2010، سيعين في منصب مدير ميزانية الدولة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية.
نحو مستقبل واعد
بعد أن صار أصغر رئيس في تاريخ الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، استطاع لقجع، بثقة في النفس وإيمان بقدرات بلده، بحسب عدد من المهتمين والمتتبعين لواقع الممارسة الكروية، مغربياً وأفريقياً، أن يقطع خطوات هائلة على طريق انتشال كرة القدم المغربية من "واقع مظلم" إلى "مستقبل مشرق"؛ حيث تحسب له شجاعته في اتخاذ القرارات وتواصله الموفق، علاوة عن مؤهلاته في التدبير، هو الذي ولد ببركان، قبل 47 سنة، حيث داعب كرة القدم كباقي أقرانه، لينشغل بمساره التعليمي والمهني، قبل أن يسترجع عشقه الطفولي لكرة القدم من بوابة التسيير، عبر فريق مدينته نهضة بركان، في 2009، الذي سيقوده للعودة إلى القسم الوطني الأول؛ ثم يتقلد، لاحقاً، مسؤولية الإشراف على الجهاز الوصي على كرة القدم الوطنية، حيث سيتحمل مسؤولية استعادة هيبة كرة القدم المغربية وتطوير الممارسة الكروية الوطنية، وهو ما نجح فيه، بشكل كبير، باتخاذه جملة من "القرارات الاستراتيجية التي سعى من خلالها إلى ضخ جرعات قوية في مشروع الاحتراف وإزالة كثير من العيوب التي تشوب المشهد الكروي"؛ كما انتخب عضواً بالمكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بعد حصوله على 41 صوتا مقابل 7 أصوات لمنافسه الجزائري محمد راوراوة، ويعمل على تعزيز العلاقات بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وعشرات الاتحادات الكروية في القارة الأفريقية، بتوقيع اتفاقيات شراكة شملت عدداً من مجالات التعاون، بينها العمل على تطوير كرة القدم، وتبادل التجارب للنهوض بالتحكيم، وتكوين الأطر التقنية والإدارية لبناء أسس متينة لكرة القدم التنافسية، وتسخير البنيات التحتية التي يتوفر عليها المغرب من أجل استقبال المنتخبات الأفريقية، وتنظيم مباريات ودية بين مختلف فئات المنتخبات، وذلك تأكيداً للسياسة العامة التي ينهجها المغرب، والرامية إلى الانفتاح على محيطه الجهوي والقاري والدولي.
تأهل بعد غياب
ظل المغرب غائباً، حتى سنوات قليلة، عن مراكز صناعة القرار، قارياً وعالمياً، بقدر مخاصمة النتائج الإيجابية لفرقه ومنتخباته، حتى أن منتخبه الأول لكرة القدم لم يتأهل إلى نهائيات كأس العالم، منذ 1998؛ بل، أكثر من ذلك، لم يتخط دور المجموعات في نهائيات كأس أفريقيا للأمم، منذ بلوغه نهائيات تونس، في 2004، التي خسرها ضد البلد المنظم، تحت قيادة الإطار الوطني بادو الزاكي. لذلك لم يملك المغاربة، مع توالي الخيبات والهزائم، إلا التحسر والركون إلى الماضي، بكأسه الأفريقية الوحيدة، التي فاز بها المنتخب المغربي، في 1976، وأربع مشاركات في كأس العالم، أعوام 1970 و1986 و1994 و1998، مستحضرين أسماء عديدة صنعت مجداً كروياً للمغرب، من العربي بنمبارك وأجيال حسن أقصبي وعلال بنقسو وادريس باموس وحميد الهزاز وأحمد فرس، إلى جيل مصطفى حجي ونور الدين النيبت، مروراً بجيل بادو الزاكي وعبد المجيد الظلمي ومحمد التيمومي وعزيز بودربالة.
مفارقات
في مقابل أن المغرب صار يملك بنية تحتية تثير الإعجاب، فيما ظل المنتخب الوطني لكرة القدم، على مدى العقدين الماضيين، يمتلك لاعبين موهوبين، تمنت أغلب منتخبات القارة لو توفر لها ربع عددها، ظل منتخب المغرب عاجزاً عن رسم البسمة على وجوه المغاربة، قبل أن يتم الاهتداء إلى "كلمة السر"، التي غيرت كل شيء، تقريباً، نحو الأفضل: فوزي لقجع، الذي، منذ أن انتخب على رأس الجامعة الملكية لكرة القدم، خلفا لعلي الفاسي الفهري، في نوفمبر 2013، ظل يردد أنه من غير المعقول ألا تكون للمغرب المكانة والحضور اللذان يستحقهما، إن على مستوى المنافسة الكروية أو تدبير شؤون الكرة الأفريقية، من خلال الوصول إلى مصادر القرار وتقلد مسؤوليات ومهام ضمن المكتب التنفيذي واللجان الفرعية، وصولاً إلى أعلى جهاز كروي عالمي.
حسن تدبير
بالنسبة لمراد فلاَح، اللاعب الدولي السابق والمدرب الحالي، يحسب لفوزي لقجع أنه بدل صورة رئيس الجامعة، الذي كان يشتغل من بعيد، مشيراً إلى أن الرئيس الحالي نزل إلى الميدان، حيث اقترب من اللاعبين ومن الناخب الوطني، آخذاً بزمام الأمور، وفق ما يلائم الاستراتيجية والأهداف التي يراهن عليها، كما اشتغل بالموازاة، مع ذلك، على مستوى الاتحاد الأفريقي، حيث صار المغرب لاعباً أساسياً على مستوى التدبير وصنع القرار.
ويرى فلاَح أن لقجع عرف كيف يستثمر جيداً، على المستوى الكروي، عودة المغرب إلى حضنه الإفريقي، حيث صار للمغرب دوره على مستوى التدبير واتخاذ القرار على مستوى الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم. وعلاوة على ذلك، يضيف فلاَح، في حديث لـ"إيلاف المغرب"، وظف لقجع مؤهلاته المهنية، من خلال إدارته للميزانية بوازارة الاقتصاد والمالية، في التدبير الجيد لموارد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بشكل انعكس إيجابياً على مستوى الحكامة والنتائج.
تدبير الميزانية
استفاد لقجع من مساره المهني ومسؤولياته على رأس مديرية الميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية، في وضع أسلوب حكامة يلائم الأهداف المسطرة على مستوى رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والتي وجدت صداها على مستوى الجهاز القاري لتدبير شؤون لعبة كرة القدم، من خلال حرص رئيسها الجديد الملغاشي أحمد أحمد على أن يكون للقجع مكان، إلى جانبه، في تدبير شؤون الجهاز الكروي القاري، واستثمار مؤهلاته بما يخدم استراتيجية النهوض بالممارسة الكروية على الصعيد الأفريقي، سيما وأن مسؤولية إدارة الميزانية، تجعل صاحبها مطالباً بالقيام بجملة مهام، بينها "تحضير مشاريع قوانين المالية ومتابعة تنفيذها"، و"المشاركة في تحضير مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، و"القيام بالدراسات القانونية والمالية والاقتصادية"، و"ضمان تدبير برامج التكوين المستمر للموارد البشرية"، و"المساهمة في تحديد الاستراتيجية والمعايير الخاصة بالتمويل الخارجي"، و"تحديد أشكال تمويل المشاريع أو البرامج"، و"القيام بالبحث والتفاوض وتعبئة المساهمات المالية الخارجية اللازمة لتمويل المشاريع المزمع إنجازها"، و"المساهمة في إعداد بروتوكولات التعاون الثقافي والعلمي والتقني".
أكثر من التأهل
بعيداً عن تأهل المنتخب المغربي إلى كأس العالم روسيا 2018، والنتائج الجيدة للفرق المغربية في مسابقة كأس الاتحاد الإفريقي، التي بلغ فيها الفتح الرباطي مرحلة دور نصف النهاية، وعصبة الأبطال الأفريقية التي فاز الوداد البيضاوي بكأسها، برسم 2017، يرى فلاَح أن ما تحقق، في عهد لقجع، يتخطى تحقيق نتائج جيدة على مستوى المنتخب والفرق، إلى ما هو أكثر إفادة وأهمية بالنسبة لكرة القدم الوطنية، مشيراً، في هذا الصدد، إلى الهيكلة التي تم الاشتغال عليها، والتي تبقى الضامن لاستمرارية تحقيق النتائج؛ مبرزاً أن الوضع سيكون أفضل، على مستوى الممارسة الرياضية، بعد الدخول المنتظر للأندية إلى نظام الشركات، مع ما يقتضيه ذلك من حكامة وشفافية على مستوى التدبير.
ولم يغفل فلاَح الحديث عن التجهيزات التي وفرها رئيس الجامعة لمختلف الفرق الوطنية، في مختلف الأقسام، مع تحسين ظروف الممارسة الكروية، والرفع من منسوب تكوين الأطر الذي وفر للاعبين السابقين أفقاً جديداً للممارسة والاستفادة من تجاربهم لتطوير الممارسة الكروية الوطنية، دون نسيان ما توفر من دعم للأندية الوطنية خلال مشاركاتها القارية والعربية، علاوة على فرض اسم المغرب ضمن معادلة تنظيم التظاهرات الكروية، قارياً ودولياً، آخرها بطولة كأس أفريقيا للمحليين، التي تنظم، بمدن مراكش والدار البيضاء وأغادير وطنجة، ما بين 13 يناير (كانون الثاني) و4 فبراير (شباط) المقبلين.
خصال ومؤهلات
أبرز فلاَح أن لقجع استطاع بديناميته والإضافات التي قدمها على مستوى التدبير، وطنياً وعلى مستوى الاتحاد الأفريقي، أن يحمي كرة القدم المغربية، منتخبات وفرقاً، من ظلم التحكيم، الشيء الذي عزز ثقة اللاعبين في أنفسهم داخل الميدان.
وسجل فلاَح للقجع شجاعة اتخاذه لجملة قرارات، بينها تعيين الفرنسي هيرفي رونار مكان الإطار الوطني بادو الزاكي، فضلاً عن قدرته على احتواء عدد من المشاكل، التي كان يمكن أن تقضي على كل أمل في تحقيق نتائج إيجابية على صعيد المنتخب، ممثلاً لذلك بطريقة معالجته الإيجابية للتشنج الذي ميز علاقة الناخب الوطني هيرفي رونار بالصحافة المغربية، أو لمشكل حكيم زياش وكيف طار رفقة هيرفي رونار إلى هولندا لطي الملف وترميم العلاقة بين اللاعب ومدربه، بشكل خدم المنتخب في باقي المباريات الإقصائية معززاً لحمة وروح الفريق، دون نسيان سهره على تتبع واستقطاب المواهب الكروية المغربية في الخارج، إلى صفوف المنتخب الوطني، والتي كان يمكن أن تلعب تحت ألوان منتخبات بلدان الإقامة، من قبيل أمين حارث، الذي فضل المغرب على فرنسا، وسفيان أمرابط، الذي فضل المغرب على هولندا.
وإلى كل هذه المميزات التي توفرت للقجع، تحدث فلاَح عن خاصية أخرى، تحسب للرجل، تتمثل في قدراته التواصلية الهائلة، وتقبله النقد البناء والأخذ به.
بالنسبة للقجع، يبقى تأهل المنتخب المغربي للمونديال الروسي مجرد بداية، ينتظر أن تتلوها خطوات أكبر تمنح المغرب حضوراً وازناً على جميع المستويات، قارياً وعالمياً.
منتخب المغرب
فوزي لقجع خلال تقديم الناخب الوطني هيرفي رونار
فوزي لقجع يداعب الكرة رفقة رئيس (كاف)
فوزي لقجع رفقة رئيس (فيفا) ورئيس (كاف)
فرحة الـتأهل إلى كاس العالم روسيا 2018
فوزي لقجع