الرباط : قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن مستقبل إفريقيا يبقى رهينا بتأهيل شبابها، وفتح الآفاق أمامه لإبراز مؤهلاته، وبمدى القدرة على إدماجه.
وأبرز الملك محمد السادس، في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال المناظرة الدولية التي افتتحت أشغالها اليوم الثلاثاء بالصخيرات تحت شعار "كرة القدم الإفريقية هي رؤيتنا"، أنه إذا كانت إفريقيا غنية بثرواتها الطبيعية، فهي غنية، قبل كل شيء، بشبابها، الذي يمثل ثلثي سكان القارة.
وشدد ملك المغرب، في هذه الرسالة التي تلاها وزير الشباب والرياضة رشيد الطالبي العلمي، على أن تطوير الممارسة الرياضية بكل أشكالها، وكرة القدم بالخصوص، يمثل إحدى الركائز الأساسية لتنمية الشباب، وإدماجهم في محيطهم الاجتماعي والاقتصادي، ولتقوية مناعتهم ضد كل أشكال الانحراف والتطرف، والمغامرة بأرواحهم وبمستقبلهم عبر اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية.
وقال العاهل المغربي إن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في إفريقيا، بل وفي العالم، وتحتل مكانة مهمة في حياة شعوبها ؛ بل إنها تتجذر في أعماق هويتها الاجتماعية، موضحا أن تاريخ كرة القدم الإفريقية حافل بالإنجازات في مختلف التظاهرات العالمية، وبالمواهب الكروية الكبيرة، التي تألقت سواء على مستوى القارة، أو في أكبر الدوريات والفرق العالمية.
رفع تحديات التحديث والعصرنة
وبالمقابل، شدد العاهل المغربي على أن كرة القدم الإفريقية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، برفع تحديات التحديث والعصرنة، ومواكبة التطورات المتسارعة التي تعرفها الرياضة العالمية.
وقال الملك محمد السادس إن ذلك لن يتأتى إلا بترسيخ الحكامة الجيدة للهياكل التسييرية، وتحسين جودة التكوين، وتطوير البنيات التحتية، وتوفير متطلبات ولوج عالم الاحتراف، وتعزيز آليات تسويق المنتوج الكروي الإفريقي، وإيجاد التوازن بين تطوير كرة النخبة والكرة الجماهيرية.كما أكد على الأهمية التي يوليها المغرب للتعاون الإفريقي البيني وحرصه على وضع التجربة التي راكمها في المجال الرياضي، رهن إشارة أشقائه الأفارقة، مذكرا في هذا الإطار بأن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وقعت أكثر من 34 اتفاقية، همت العديد من المجالات كالتكوين والبنية التحتية، والطب الرياضي، وتبادل الخبرات التقنية، فضلا عن استقبال التربصات الإعدادية للفرق الوطنية لمجموعة من الدول الإفريقية الشقيقة، بمختلف فئاتها.
المغرب يتطلع لانبثاق قارة إفريقية قوية
وأضاف العاهل المغربي أن المغرب يتطلع لانبثاق قارة إفريقية قوية، متعاونة ومتضامنة، تتبوأ المكانة التي تستحقها في مختلف المؤسسات والمحافل الدولية، سواء على مستوى صناعة القرار، أو على مستوى المشاركة، أو بخصوص الدفاع عن حقها المشروع في تنظيم التظاهرات الكروية العالمية، وفي مقدمتها احتضان نهائيات كأس العالم.
وخلص ملك المغرب إلى أن هذا الملتقى المهم، بفضل الخبراء والكفاءات الكروية الإفريقية المشاركة فيه، وبما هو مشهود لهم به من غيرة إفريقية صادقة، سيمكن من بلورة رؤية مستقبلية لتطوير الكرة الافريقية.
من جانبه، قال جياني انفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، العمل المتواصل وحده كفيل بجعل إفريقيا مستقبل الكرة العالمية، لأنها تزخر بلاعبين من مستوى عالي.
افريقيا والكرة العالمية
ذكر أنفانتينو، خلال حفل افتتاح مناظرة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، المنظمة يومي 18 و19 يوليو الجاري بالصخيرات (ضواحي الرباط)، "إن الحديث عن إفريقيا كمستقبل للكرة العالمية بدأ منذ كأس العالم سنة 1982 التي نظمت بإسبانيا، وفاز بها المنتخب الإيطالي"، مذكرا بالأداء الجيد الذي قدمه المنتخب الكاميروني أمام نظيره الإيطالي.
وأضاف رئيس الاتحاد الدولي أن "هذا المستقبل يجب أن يصبح حاضرا"، الشيء الذي يفرض الانتقال من المتمنيات إلى العمل، وهو ما تتيحه هذه المناظرة التي تنظمها الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بالمغرب، من أجل بحث جميع القضايا المرتبطة بكرة القدم الإفريقية، خصوصا تلك التي تضر باللعبة، ومناقشة جميع مشاكلها وتشعباتها.
وأبرز أنفانتينو أن مناظرة اليوم تشكل انطلاقة حقيقية نحو المستقبل لأنها تؤسس لتحول كبير، من خلال توحيد جهود جميع الفاعلين والمتدخلين من أجل مناقشة مستقبل كرة القدم الإفريقية، مشيرا إلى أن الأمر ليس سهلا لكن الإيمان بذلك، والاستثمار في المستقبل سيجعل ذلك ممكنا.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن كرة القدم الإفريقية تعرف مستوى جد متميز على المستوى العالمي ما دفع مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى رفع عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم من 32 إلى 48، وهو ما انعكس إيجابا على المنتخبات الافريقية حيث سترفع تمثيليتها في كأس العالم المقبلة من خمس إلى تسعة منتخبات.
وأكد أنفانتينو على ضرورة الاستثمار في المستقبل عبر تكوين الشباب، والموارد البشرية الخبيرة والمتخصصة، وإنشاء مراكز التكوين، وأن الاتحاد الدولي يوجد دائما رهن إشارة الكونفدرالية الافريقية، حيث حرصت "الفيفا" اخيرا على مضاعفة ميزانية الجامعات أربع مرات.
لقجع: حدث كروي أفريقي مهم
قال فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، إن مناظرة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، التي تعتبر الحدث الكروي الإفريقي المهم الذي تجتمع فيه كل مكونات تدبير كرة القدم، ستشكل خارطة طريق واضحة، ومستقبلية للنهوض بأوضاع كرة القدم بإفريقيا.
وأكد لقجع، في كلمة له خلال حفل افتتاح مناظرة كرة القدم الإفريقية المنظمة بالرباط يومي 18 و19 يوليو الجاري، أن اختيار المغرب في هذا الظرف بالذات "يعتبر تتويجا لعلاقات، أصبحت، كانت وستظل، متميزة بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والاتحاد الإفريقي لكرة القدم، توجت بتوقيع أكثر من ثلاثين اتفاقية تعاون تجسدت على أرض الواقع بعمليات تطوير لمختلف الجوانب التي تهم تدبير كرة القدم".
وأضاف لقجع أن كل ذلك يأتي في إطار بلورة الملك محمد السادس، الذي ما فتئ يؤكد عليها في مختلف خطبه الأخيرة ، سواء في دكار أو أديس أبابا أو أبيدجان، وهي رؤية أكد من خلالها العاهل المغربي على ضرورة نهج سياسة كاملة وشاملة ومتكاملة اتجاه إفريقيا.
وأكد رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أنه "على الرغم من كل هذه التطورات الإيجابية، فإننا نوجد اليوم أمام ضرورة القيام بتشخيص واقعي، جماعي لأوضاع كرة القدم بإيجابياتها وسلبياتها، الشيء الذي سيمكننا حقيقة من بلورة رؤية مستقبلية، ومشتركة لواقع كرة القدم".
الواقع يسائلنا اليوم
وأشار إلى أن "هذا الواقع يسائلنا اليوم : هل ما حققته كرة القدم اليوم من إنجازات جماعية أو فردية، هو في مستوى طموحات شعوب هذه القارة، وخاصة شبانها وهل تتناسب هذه الإنجازات مع الطاقات التي تتوفر عليها القارة الإفريقية ؟".
وأضاف لقجع "هل اليوم ونحن نقترب من الاحتفال بمائوية كأس العالم، والقارة الإفريقية لم تحظ بشرف تنظيم كأس العالم إلا مرة واحدة خلال هذه الفترة الطويلة من عمر كرة القدم العالمية، ومن عمر قارة وأجيال بأكملها"، معتبرا أنها "كلها أسئلة نريد أن نتقاسمهما اليوم في هذا الإطار التشاركي والمتكامل بعيدا عن لغة سادت لعقود طويلة كانت كلها تعبير عن الارتياح والمبالغة في تثمين المكتسبات". كما أشار لقجع إلى أن "تحسين حكامة الاتحاد الافريقي لكرة القدم سيشكل لا محال اللبنة الأساسية في مسار تطوير كرة القدم الإفريقية، وتقوية آليات التعاون لتبادل التجارب الناجحة، وخلق نموذج تعاون شامل ومتضامن بين مختلف الاتحادات الإفريقية".
تطوير رؤية كرة القدم الإفريقية خلال العقد المقبل
وتتوخى هذه المناظرة، التي ينظمها، على مدى يومين، الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بتعاون مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تطوير رؤية كرة القدم الإفريقية خلال العقد المقبل ، مع التركيز خلال هذا الحدث الدولي على الإشكاليات المرتبطة بمسابقات الاتحاد الإفريقي، خصوصا المتعلقة منها بالشكل والوقت والتنظيم.
وتلتئم في هذه التظاهرة شخصيات من مختلف الاختصاصات المهنية التي تعمل على تطوير كرة القدم الإفريقية، خاصة اللاعبين والحكام والمدربين والصحافيين والإداريين، من أجل مناقشة سبعة مواضيع تتعلق ب"كأس إفريقيا للأمم" و"دفتر تحملات البلدان المحتضنة لكأس إفريقيا للأمم"، و"الكؤوس الخاصة بالأندية"، و"كرة القدم عند الشباب"، و"كرة القدم والتنمية"، و"التواصل والإعلام"، و"التسويق والتلفزيون".
وبحسب المنظمين، يشارك في هذا الحدث الكروي أيضا أبرز قدماء لاعبي كرة القدم الأفارقة، خاصة جوزيف أنطوان بيل، ورابح ماجر، وأحمد فرس، و"جي-جي" أوكوشا، وبادو الزاكي، وأنطوني بافو، ومحمد التيمومي، وباتريك مبوما، وجيريمي نجيتاب.
حضر حفل افتتاح المناظرة، بالخصوص، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورئيس مجلس النواب حبيب المالكي، والعديد من الشخصيات والمسؤولين الحكوميين.
وتم اختيار المغرب لاحتضان هذا اللقاء، خلال اجتماع اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي انعقد بالمنامة (البحرين) يوم 8 مايو الماضي. وسيعقد الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بعد هذه المناظرة، اجتماع لجنته التنفيذية وجمعا عاما استثنائيا بالرباط .
وستتم خلال مناظرة الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم أيضا مناقشة مجموعة من الملفات والقضايا المرتبطة بكرة القدم الإفريقية، ومن بينها تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا، وبحث إمكانية تنظيمها كل أربع سنوات بدل سنتين، وكذا الرفع من عدد المنتخبات من 16 إلى 24 منتخبا، والمصادقة على دفتر تحملات مضبوط بالنسبة إلى الدول الراغبة في احتضان هذه التظاهرة، ومحاولة الاستفادة من تجربة باقي القارات في هذا الصدد، وذلك من أجل تفادي التأثير على المسار الكروي للاعبين المحترفين ومنح هيبة وقيمة أكبر لهذا التجمع الكروي الإفريقي.