يوم الجمعة المنصرم تسنى لي المشاركة في مؤتمر عقدته لجنة التضامن العربي الاسلامي مع المقاومة الايرانية في العاصمة البلجيكية بروكسل، بخصوص التأييد العربي لانتفاضة الشعب الإيراني، وقد حضر المؤتمر وفود من العراق وسوريا ولبنان والاردن وموريتانيا وتونس والجزائر وفلسطين والسودان واليمن وقد أكدت الوفود المشاركة على الاهمية الكبيرة لهذه الانتفاضة التي دخلت شهرها الخامس ولاسيما وان هدفها الاساسي هو إسقاط نظام الملالي وإجراء التغيير الجذري في ايران.
تغيير النظام في ايران كما ذكرت في اكثر من مقالة سابقة، لم يعد شأنا ايرانيا خاصا، ذلك ان النهج الفكري - السياسي الذي تبناه هذا النظام عماده تصدير التطرف والإرهاب من اجل تحقيق مشروع الخميني ببسط نفوذ هذا النظام على العالمين العربي والإسلامي. ولذلك فإن المعني اساسا وبالدرجة الاولى، البلدان العربية التي نعلم جمیعا ان سرطان ولاية الفقيه قد اصاب اربعة منها وان البلدان المتبقية على القائمة وخصوصا البلدان المحورية.
المشاركون في المؤتمر من نواب في برلمانات بعض من الدول العربية ووزراء سابقين وشخصيات عسكرية وحقوقية واعلامية، ركزوا كثيرا على الخطر والتهديد الذي يمثله نظام الملالي على البلدان العربية، لكن الملفت للنظر ان جميعهم مع الحماس والاندفاع الذي کان يغلبهم، فإنهم كانوا يرون ان کل ما في وسعهم تقديمه للانتفاضة الايرانية، لايتجاوز اضعف الايمان!
منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في ايران في 16 سبتمبر 2022، فقد اعلنت العديد من الاوساط السياسية والتشريعية في البلدان الغربية عن وقوفها الى جانب الشعب الإيراني المنتفض وعن شجبهم وادانتهم للاساليب القمعية التي يلجأ إليها النظام من اجل قمع الانتفاضة، وحتى ان صدور قرار طرد النظام الإيراني من لجنة حقوق المرأة وكذلك قرار البرلمان الاوربي بتصنيف الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية، كان انعكاسا للموقف الغربي المذکور، في حين ان الموقف الرسمي العربي يبعث على الخجل وحتى اكثر من ذلك، لأن البلدان العربية معنية اكثر بكثير من البلدان الغربية، لکن لم يصدر أي موقف عربي رسمي ولو من برلماناتها أو مٶسساتها الاخرى، وظل الموقف العربي الرسمي مرة أخرى رهين الموقف الغربي من الانتفاضة الايرانية والاوضاع في إيران وينتظر ماستٶول إليه المحصلة في نهاية المطاف.
في مٶتمر بروکسل الذي تکلم فيه أغلب المشارکين بإسهاب عن الدور المشبوه جدا للنظام الايراني وکيف إنه قد قلب الاوضاع والامور في المنطقة بسبب من هذا الدور رأسا على عقب وصنع فوضى خلاقة في أربعة بلدان عربية تعتبر "هذه الفوضى"، الابنة غير الشرعية للفوضى الخلاقة الامريکية في المنطقة، ومن دون شك فإن نتائج وتداعيات الاوضاع غير الطبيعية في هذه البلدان الاربعة وإن کانت إنعکاساتها وتداعياتها محدودة حاليا، لکنها لن تبقى على هذه الحالة طويلا ولاسيما في ظل الاوضاع الدولية المضطربة السائدة والتصيد الخبيث لنظام الملالي في مياهه العکرة.
الدول العربية فيما يتعلق بالموقف من الاوضاع في إيران وبالاخص من دور النظام الايراني في المنطقة، تنتظر وتبقى تنتظر وهي تحرم في إنتظارها هذا روح المبادرة والتحرك على نفسها، من دون أن تکلف نفسها عناء ما قد حدث من تطورات ومستجدات على الاوضاع في إيران، إذ أننا لو قارننا الاوضاع الحالية في إيران بالعقد الاول من الالفية الجديدة، لوجدنا الفرق شاسعا فيها، ففي ذلك العقد کانت منظمة مجاهدي خلق وطبقا لصفقة مريبة بين ملالي إيران جرت في عهد الرئيس بيل کلينتون، لا زالت في قائمة الارهاب، لکن الذي يحدث ويجري اليوم إن مجاهدي خلق التي تمکنت من الخروج من قائمة الارهاب بعد معرکة قضائية لها في البلدان الغربية، تقود وبکل جد ومثابرة حملة دٶوبة على الصعيد الدولي من أجل تصنيف الحرس الثوري ضمن قائمة الارهاب، والحرس هذا هو بمثابة الاوکسجين للنظام، ومع کل ما قد ئجم وتداعى عنه قرار البرلمان الاوربي بخصوص تصنيف الحرس الثوري ضمن قائمة الارهاب والتصريح السمج لجوزيب بوريل، إلا إنه مع ذلك يعتبر بمثابة إنتصار سياسي لمجاهدي خلق وبالاخص بعد التصريحات الانفعالية والمتوترة للقادة والمسٶولين في طهران من هذا القرار.
قرار البرلمان الاوربي صدر تزامنا مع الانتفاضة الشعبية الايرانية المندلعة منذ 16 سبتمبر 2022، ودور وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق فيها والذي إعترف به النظام الايراني في أکثر من تصريح وموقف رسمي بما يٶکد بأن مجاهدي خلق قد أصبحت قوة وندا في داخل إيران بمواجهة النظام مثلما إنها تواجهه دوليا وتحت الاضواء الساطعة، ولذلك فإن هذه الانتفاضة قد فرضت واقعا جديدا على إيران، وإن النظام الان لا يراهن على قوته وعلى أجهزته القمعية بقدر ما يراهن على لعبه على التوازنات الدولية وسعيه لإنتهاز الفرص والتصيد في مياهها العکرة خصوصا بعد تدخله في الحرب الدائرة في أوکرانيا وربط مصيره بالرئيس الروسي بوتين، وهو ما يعني بأن النظام ومن أجل ضمان بقائه وإستمراره ومواجهة الاوضاع الداخلية المضطربة والدولية التي لم تعد لصالحه، قد أدخل نفسه في نفق لا يعلم إلا الله وحده مخرجه، ولا أدري مالذي تنتظره الدول العربية أکثر من هذا حتى تتخذ موقفا نوعيا من نظام الملالي؟!