هذه الأیام تصادف الذكری الثالثة لانتفاضة نوفمبر 2019 التي كانت بمثابة تفجّر الغضب الشعبي العام ضد النظام، حیث عمّت المظاهرات والاشتباكات جمع أنحاء إیران خلال یومین. وأمر خامنئي آنذاك بفتح النار علی المنتفضین. بالنسبة لعدد الشهداء في تلك الانتفاضة فإن المقاومة الإیرانیة من خلال عملیة الاستقصاء وجمع المعلومات بشكل دقیق أعلنت في النهایة أن ما لا یقلَ عن ألف وخمسائة مواطن سقطوا بفعل نیران الأسلحة والرشاشات وفي بعض المناطق باستخدام الأسلحة الثقیلة كما حدث في أهوار میناء ماه شهر. لكن الأطراف الأخری كمنظمة العفو الدولیة لم تستطع من تأیید أكثر من 400 قتیل. بعد فترة نقلت وكالة رویترز للأنباء تقریراً خاصاً عن تلك الانتفاضة ونقلت عن ثلاثة مصادر في وزارة داخلیة النظام أن عدد شهداء الانتفاضة بلغ 1500 شخص. بعد ذلك تم تأیید وتأكید هذا الرقم عن مصادر رسمیة كوزارة خارجیة الولایات المتحدة. بعدها بشهرین وفی المظاهرات التي اندلعت في طهران احتجاجاً علی أسقاط الطائرة الأوكرانیة وقتل راكبیها، هتف شباب طهران العاصمة خاصة فی جامعة طهران الأم بشعار «كانت عدد شهدائنا في نوفمبر1500 شخص». هذا الشعار یتردد مظاهرات هذه الأیام أیضاً.
هذا العام وفي خضمّ الانتفاضة الكبری أو الثورة من أجل إسقاط النظام التي استمرّت حتی الآن أكثر من شهرین قرّر المواطنون إحیاء انتفاضة نوفمبر 2019 خلال ثلاثة أیام الثلاثاء والأربعاء والخمیس 15-17 من الشهر الجاري. وهذا ما نشهده منذ یومین من تصاعد الانتفاضات والاشتباكات والشعارات والإضرابات في جمیع أنحاء إیران. وخلال الیومین الماضیین كانت المعركة حامیة جداً بین أبناء الشعب الذین یریدون التخلّص من النظام الكهنوتي والقوات القمعیة. لكن الظاهرة الملفتة هي أن عدد الشهداء الذین سقطوا خلال الیومین الماضیین لم یتجاوز ثلاثین شخصاً علی أكثر تقدیر. وهذا في وقت تم في المقابل استهداف عدد غیر قلیل من قوات الأمن والباسیج وقتلهم وجرحهم.
حتی الیوم امتدت الثورة إلی 227 مدینة إیرانیة وعدد الشهداء بلغ 560 شهیدا استطاعت وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق جمع معلومات دقیقة عن 427 منهم.
فإذا قارنّا عدد الشهدا خلال 62 یوما من الانتفاضة الجاریة بعدد شهداء الانتفاضة في عام 2019 التي لم تستمرّ أكثر من أسبوع وكان ذروتها ثلاثة أیام فقط نصل إلی نتیجة ستراتیجیة مهمة، مفادها أن أصحاب القرار في نظام الإجرام لا یستطیع في الوقت الحالي أن یقرّر ما یمكنه أن یفعل.
لیس هناك أی شكّ أنه إذا شعر خامنئي أنه یستطیع من خلال ارتكاب مجزرة رهیبة بحق أبناء الشعب وقتل حتی عشرات الآلاف التخلص من هذه الثورة والانتفاضة لن یتردد في ذلك. وما فعله قبل ثلاث سنوات دلیل علی ذلك. كما أن سالفه خمیني لما شعر في نهایة الحرب الإیرانیة العراقیة بأن نظامه مهدّد من قبل الشعب فلم یتردد في ارتكاب المجزر بحق ثلاثین ألف سجین سیاسي أكثر من 90٪ منهم من مجاهدي خلق.
خلال الیومین الماضیین كانت الأسواق التقلیدیة في طهران وتبریز وأصفهان ومشهد وغیرها من المدن الإیرانیة في إضراب تام تضامناً مع إحیاء انتفاضة نوفمبر 2019. هذه الأسواق كانت مركز إسناد الملالي وموئلهم ورزقهم وعیشهم. والإضرابات في هذه الأسواق بهذا الحجم تحدث للمرة الأولی في نظام الملالي. آخر مرة شهدت إیران مثل هذه الإضرابات كانت في الأشهر الأخیرة من حكم الشاه قبل 44 عاماً.
بالعودة إلی السؤال المطروح عن قرار النظام وبشكل محدّد زعیم النظام خامنئي لمواجهة هذه الثورة لم نجد أنهم وأنه یستطیع التعامل بحزم مع هذا الطوفان العاتي الذي یعصف بنظامه. وفي مجال البحث عن السبب یمكننا أن نشیر إلی عدة عوامل:
ـ نظامه غیر منسجم في هذا المجال وكثیرین من الذین كانوا ولا یزالون من حاشیته یعارضون استخدام القوة ضدّ المنتفضین. لیس لأنهم یوافقون مع شباب الثورة، لا بل لأنهم یرون أن استخدام العنف یسرّع من وتیرة سقول النظام. ویا تری أن افراد من أمثال علی لاریجاني او ناطق نوری ومحمد باقر قالیباف ومحمد جواد باهنر یعدّون ضمن هذه المجموعة
ـ خامنئي في أول خطاب له بعد اندلاع الانتفاضة قال بصراحة بأن ما یجري في إیران حرب مدبّرة من الدول الأجنبیة وأشار إلی الولایات المتحدة الأمریكیة و إلی إسرائیل وغیرهما. واضاف أن بعض الخواص من النظام لم یدركوا هذا الواقع، وشدّد أن علیهم أن یدركوا ویقوموا بتصحیح مواقفهم. لكن أحدا من هؤلاء لم یستجب له ولم یقبل كلامه. أحد أقطاب النظام باسم عباس عبدی قال قبل یومین أن أغلبیة الشعب یوافق مع المنتفضین في الشوارع. حسن خمیني حفید خمینی مؤسس النظام كتب أنه یجب اللجوء إلی حكم الأغلبیة والشرعیة تأتي من موافقة الأغلبیة.
ـ في المقابل هناك معلومات كثیرة هذه الأیام تفید أن أداة القمع بقیت غیر فاعلة حیث أن أكثر من 35٪ من المعتقلین هم من أبناء قوات البسیج أو قوات الحرس أو أبناء «شهداء» الحرب الإیرانیة العراقیة أو المنتمین إلی عوائل مسؤولی النظام.
ـ وكتب أحد قادة الحرس باسم محمد مهدوي فر في حسابه علی تلغرام نقلا عن جنرال الحرس اسمعیل فرجي بأنه كان یتحدث لمجموعة من قوات البسیج والحرس، وقال ضمن حدیثه: « أكثر من 6٪ من المعتقلین من عوائل قوات الحرس و5٪ منهم من عوائل شهداء الحرب [الإیرانیة العراقیة] وأكثر من 25٪ من المعتقلین من قوات البسیج» واضاف «وهذا خطر كبیر علینا».
ـ وتحدّث أحد قادة الحرس باسم بویان حسین بور لمجموعة من قوات البسیج ویقول لهم: سابقا كنت دائما أقول أننا لما نهاجم المحتجین فإنهم یهربون من الشوارع. لكن هذه المرة یختلف، إنهم یقفون فی وجهنا ویقاومون، ویضیف: یوم أمس في شارع ظهیر الإسلام [في مركز طهران العاصمة] نحن كنا نتقاتل معهم لمدة ساعة دون نجاح. ولما ندخل زقاقاً یضمّ 30بیتا یا تری أن من جمیع هذه البیوت الثلاثین یرشقوننا بحجارة. وإذا كانت البنایة أربع طوابق فیرمونكم بالحجارة من جمیع الطوابق. ومن لم یجد في بیته حجارة یرمینا بالكراسي والمستلزمات المنزلیة وغیرها.
هذه المعلومات غیض من فیض المعلومات التي تأتي من داخل النظام وهي نماذج من ما یجري داخل مجموعة النظام. وفي المقابل أبناء الشعب عازمین بمواصلة النضال والثورة أیا كان الثمن. وهذه الحالة وهذه المعادلة یؤدي شیئا فشیئا إلی تفكك النظام دون شكّ.
أضف إلی ذلك ما جری خلال الیومین السابقین وما یجري الیوم في مختلف أنحاء إیران. الثورة الإیرانیة في التقدم بكل سرعة نحو إسقاط نظام الكهنوتیین الحاكمین وبناء جمهوریة دیمقراطیة جدیدة.