بعد أكثر من شهرين من الإحتجاجات الشعبية المستمرة والمتزايدة، تتجه ردود فعل النظام الإيراني إلى الإنفعال والتصرف بطريقة تعكس تنامي مستوى الغضب والقلق في آن واحد، حيث اتهم حين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني، مؤخراً، إسرائيل وأجهزة الاستخبارات الغربية بالتخطيط لتقسيم البلاد والتحريض على شن حرب أهلية، مشيراً إلى أن "إيران ليست ليبيا أو السودان"، وأن الإيرانيين "لن يقعوا في شباك هذه المخططات".
هذه الإتهامات تمثل نقلة نوعية في ردود فعل النظام الإيراني، الذي ظل يردد ـ منذ مقتل مهسا أميني الشابة الكردية مفجّرة الإحتجاجات ـ إتهامات متكررة ضد الدول الغربية وربما إسرائيل كذلك، بدعم الإحتجاجات وتأجيجها أو حتى التخطيط لها، حتى أن المرشد الأعلى إتهم في خطاب له الولايات المتحدة والغرب بشن حرب ضد بلاده، ولكن اللافت هذه المرة هو الحديث عن مخططات تقسيم وحرب أهلية وتدمير وتفكيك البلاد وغير ذلك مما لم يسبق ذكره على ألسنة القادة الإيرانيين.
حديث عبد اللهيان الذي نقلته وسائل إعلام مختلفة عن تغريدات له عبر منصة "تويتر" جاء عقب مقتل 7 اشخاص في حادث بجنوب غرب البلاد وصفته وسائل الإعلام الإيرانية الحكومية بالهجوم الإرهابي، كما يأتي أيضاً وسط أعمال عنف متفرقة تشهدها إيران ضد قوات الأمن الإيرانية.
بلاشك أنه يصعب التعرف بدقة على مايدور داخل إيران بسبب الستار الحديدي المفروض على وسائل الإعلام والرقابة على "الإنترنت"، ولكن التقاريرالإعلامية الواردة من الداخل الإيراني تشير إلى توسع دائرة الاحتجاجات الشعبية لتشمل معظم المدن الإيرانية، وأن مشاعر الغضب قد إنتقلت إلى "البازار" أو الأسواق التقليدية الإيرانية التي تعتبر عصب الإقتصاد، حيث تضامن التجار مع الغضب الشعبي، ما يعكس تحولاً مهماً بالنظر إلى أن هؤلاء التجار يمثلون دعامة رئيسية للنظام.
هناك تقارير موثوقة تتحدث أيضاً عن إنقسامات داخل النظام الإيراني حول سبل التعامل مع الإحتجاجات، لاسيما أن العنف والقمع يولد المزيد من الغضب ولا يسهم في احتواء الشباب، الذين يمثلون عصب هذه الإحتجاجات، بل إن بعض التقارير تقول إن نسبة كبيرة من المعتقلين على خلفية الإحتجاجات هم من أبناء وأقارب وأهالي النخبة الحاكمة في إيران سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
في محاولة فهم مايدور في إيران لا يجب النظر إلى أعداد الضحايا والمعتقلين فقط باعتبارها مؤشراً على حجم الغضب الشعبي، وقياس حدة الصدام بين الشعب والنظام الإيراني، ولكن هناك مؤشرات أخرى لا تقل أهمية ومن أبرزها إستمرارية الإحتجاجات والإضرابات وحالة الغضب لفترة طويلة تعكس تحطم حاجز الخوف الذي كان يمثل أحد أهم أدوات الردع التي تحمي النظام الإيراني وتضمن له البقاء.
ثمة مؤشرات أخرى على تفاقم حالة القلق لدى النظام الإيراني منها ما نقلته تقارير إعلامية غربية عن إستعانة النظام الإيراني بوحدة من قوات التدخل الخاصة من إحدى الدول الإقليمية بهدف تقديم المساعدة لقوات "الباسيج" الإيرانية، وتكمن خطورة هذا المؤشر في أن الميلشيات الإيرانية كثيفة الأعداد تتسم بقدر غير محدود من العنف والشراسة وتمتلك خبرات عميقة في قمع الإحتجاجات الشعبية، وبالتالي فإن عدم كفاية هذا المستوى الصارم من العنف والإستعانة بقوات أجنبية يشير إلى إتساع دائرة الإحتجاجات وصعوبة السيطرة عليها، وربما الرغبة في الإستعانة بخبرات قوات أمن أخرى في قمع مثل هذه الاحتجاجات.
ولاشك أن إنتقال النظام الإيراني للحديث عن فكرة الحرب الأهلية وتقسيم البلاد، يشير إلى وجود مؤشرات خطر في هذا الاتجاه، وأن هناك مخاوف حقيقية لدى الملالي من هذا السيناريو وارد الحدوث ليس بسبب توافر دعم خارجي له، ولكن بالأساس للسياسات الداخلية التي ينتهجها النظام ضد الأقليات من أبناء الشعب الإيراني، حيث يتجاهل النظام تماماً إعتبارات التعددية العرقية التي تتسم بها التركيبة الديموغرافية للشعب الإيراني، لاسيما أن الإثنيات غير الفارسية تمثل نحو نصف تعداد سكان البلاد تقريباً، وأن التموضع الجغرافي لهذه الإثنيات يجعل من الصعب وصف البلاد بالتجانس العرقي، وما يضاعف من هذا الخطر أن النظام لا يسعى لتعزيز سياسات التعايش بل يعمق فكرة الإنقسام باستهداف أقليات معينة وتأليب القوميات ضد بعضها البعض مع طغيان الطائفية السياسية على البلاد بشكل يضع جميع السكان في مواجهة ضغوط شديدة وقابلة للإنفجار بسبب غياب حقوق الأقليات وسياسات التهميش والقمع والملاحقة وخطط الدمج القسري وغير ذلك.
مما لاشك فيه أن الشواهد تعكس قلقاً متزايداً لدى النظام الإيراني، وأن الأمور لم تلامس بعد حدود الإستقرار وإستعادة زمام الأمور خلال أمد منظور، والمهم في ذلك هو أن النظام الإيراني يمكن أن يتجه إلى محاولة صرف الأنظار وتصدير الأزمة للخارج عقب إفتعال أزمة أو أزمات خارجية لمحاولة شق صف المعارضين والسعي لإثبات سيناريو المؤامرة الخارجية واستغلال الفرصة لوأد الغضب الشعبي المتصاعد بعيداً عن التركيز الخارجي على ما يحدث في الداخل الإيراني.