: آخر تحديث

إتفاقات أبراهام وإيران... تفكيك المٌفكّك

27
28
17
مواضيع ذات صلة

إحياء الإتفاق النووي مع إيران يؤدي إلى تقويض إتفاق السلام الإبراهيمي بين الإمارات وإسرائيل، هذا الإستنتاج يطرحه بعض الباحثين في الغرب ممن يعتقدون أن أي إتفاق أميركي مع إيران سيؤدي بالتبعية إلى إنهاء إتفاق السلام بين الإمارات وغيرها من الدول الخليجية والعربية الموقعة على إتفاقات السلام مع إسرائيل منذ نحو عامين.

هذا الطرح يلفت الإنتباه، ويستحق المناقشة ونجده فرصة لتوضيح بعض الأمور والنقاط التي تغيب عن بعض الأوساط البحثية الغربية، ولاسيما فيما يتعلق بفهم منطلقات ودوافع دولة الإمارات لتوقيع إتفاق السلام الإبراهيمي مع إسرائيل، وذلك من دون أن نستبعد فرضية قائلة بأن تسويق هذا التصور ربما يستهدف تعظيم الضغوط على إدارة الرئيس بايدن لثنيها عن المضي في جهود إحياء الاتفاق النووي، وتحذيرها من عواقب محتملة، وهو أمر مفهوم كهدف، ولكن علينا أن نتيقن من حقيقته، حتى لا يتحول الأمر إلى معطى ثابت.

الأساس في الفرضية السابقة أن موقف دولة الإمارات تحديداً في مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ينطلق ـ وفق الإستنتاج ـ من رغبة في بناء تحالف دفاعي يحميها من تهديد إيراني محتمل، وهذا الأمر ليس صحيحاً بالمرة من وجهة نظري البحثية، لأسباب واعتبارات عديدة أهمها أن الإمارات ليست في حالة حرب مع إيران، صحيح أن الأخيرة تحتل ثلاث جزر إماراتية هي "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى"، وأن الإمارات لديها موقف يرفض المشروع التوسعي الطائفي الإيراني، وتتحفظ على سياسات إيران التدخلية في شؤون دول المنطقة، وكذلك على التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني، ولديها أيضاً تحفظات مهمة للغاية تتعلق بضرورة معالجة الثغرات والإشكاليات والسلبيات العديدة، التي تضمنها الإتفاق النووي منذ توقيعه في عام 2015، ولكن ذلك كله لا ينفي بالمقابل ـ كما نلاحظ ـ وجود قنوات إتصال دبلوماسية مع الجانب الإيراني، وهي قنوات يحرص الجانبان على وجودها رغم المد والجزر الذي تشهده العلاقات على الصعيد الرسمي.

يلحظ الجميع أن الإمارات قد أعادت سفيرها إلى طهران، بعد توقيع إتفاق السلام الإبراهيمي مع إسرائيل، وهناك زيارات واتصالات رسمية متبادلة، ويلحظ الجميع كذلك أن الدبلوماسية الإماراتية اتجهت في الآونة الأخيرة إلى اعتماد نهج "تصفير المشكلات" واذابة الجليد ومد الجسور وبناء قنوات إتصال مع الجميع في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في إطار رؤية إستراتيجية معلنة لتركيز الاهتمام على التطور والتنمية الاقتصادية بعيداً عن جدليات الخلاف والاختلاف.

في ضوء ماسبق، فإن الربط بين إحياء أو عدم إحياء الاتفاق النووي من جهة، وحالة السلام المتنامية بين الإمارات وإسرائيل من جهة ثانية، مسألة ليست منطقية، فالمساران متوازيان لا يلتقيان، ويصعب التقائهما لأنه ـ ببساطة ـ لا رابط بينهما، فلم يبنى الثاني على الأول، بل كان الدافع للسلام مع إسرائيل مصالح مشتركة تتجسد في أوجه التعاون القائمة والتبادل التجاري والتقني المتنامي، وتتجسد كذلك في واقع السلام الفعلي الذي تعيشه علاقات البلدين بغض النظر عما يحدث لجهود إحياء الإتفاق النووي الموقع مع إيران، ولا حتى التوترات المتصاعدة ـ على مستوى الخطاب السياسي على الأقل ـ بين إيران وإسرائيل.

ببساطة شديدة، إتفاقات أبراهام لم تكن رد فعل على إحساس الإمارات أو غيرها بالخطر الإيراني، لأن هذا الخطر ليس جديداً ولا عابراً، بل قائم منذ قيام الثورة الإيرانية وحالة الاستفزاز، التي ظل النظام خلالها يردد شعارات "تصدير الثورة" ويتدخل بشكل أو بآخر في شؤون دول المنطقة فضلاً عن قائمة طويلة من الممارسات الإيرانية التي تمثل عامل تهديد أساسي لأمن منطقة الخليج العربي واستقرارها. ثمة أمر آخر هو أن التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والعلمي والصناعي الذي يطغي على أجواء السلام الإماراتية ـ الإسرائيلية منذ بدايتها قبل أكثر من عامين، تفسر الدافع الحقيقي للسلام، وليس شيئاً آخر. وبالتالي فإن  هذا الربط القسري للسلام الإبراهيمي بالإتفاق النووي الإيراني هو تأثر مباشر بالدعاية الإيرانية التي تتحدث عن تحالفات عسكرية لا وجود لها سوى في خيال مروجيها.

الأرجح أن جهود إحياء الإتفاق النووي الإيراني ماتت إكلينيكياً، ولكن لا أحد يرغب في إعلان الفشل خشية أن يتحمل مسؤوليته، كما أن القول بأن بقية دول المنطقة تحجم عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل خوفاً من إيران مسألة غير صحيحة بالمرة، لأن هناك توازنات وحسابات دقيقة تحكم مواقف أطراف خليجية وعربية أخرى، ولا علاقة لهذه الحسابات بإيران بالمرة، وبالتالي من الضروري أن يتم النظر إلى سياسات دول مجلس التعاون ومصالحها من منظور بعيد عن فكرة الارتهان لطرف إقليمي لأن الجميع بات يرى كيف ترسم هذه الدول سياساتها وتمضي في علاقاتها الدولية بشكل متوازن للغاية ووفقاً لمصالحها الإستراتيجية، ومن ثم فإن الأولى أن ندرك أن هذه الدول لا تخضع لإملاءات طرف إقليمي أو تخشى غضبه.

أحد دوافع مايحدث أن دول مجلس التعاون باتت على ثقة بأن الولايات المتحدة لم تعد الشريك الذي يعطي أولوية لالتزامات الشراكة القائمة، ويمضي وفق مصالحه الخاصة سواء في الملف الإيراني أو غيره، وبالتالي اتجهت هذه الدول للبحث عن مصالحها الإستراتيجية، وهي ليست بالضرورة عسكرية أو أمنية، شرقاً وغرباً ومع الجار الإسرائيلي أيضاً، حيث يصعب التفريط في كم كبير من عوائد التعاون المتوقعة. وبالتالي فإن ربط الإتفاق النووي بالإتفاق الإبراهيمي هو ربط لا يستند إلى أساس واقعي.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي