: آخر تحديث

هل الوطن شبيه بالأم؟

23
23
19

  يقف بعض الدعاة اليوم ينادون وبعمق عن حبّ الوطن من جانبهم، وجهله من جانب آخرين، في الوقت الذي لم يعد فيه الوطن يعني لهم أكثر من الاسم فقط!.

 الوطن بالكاد يُشكل أسماً، أو يرسم حالة عامة لم تعد تعني أي هدف. روح تخلو من الاحساس بالنسبة لكثيرين. 

ما زال الوطن هاجس يتغنى به بعض الناس الذين يظنون أنهم ما زالوا يعيشون ويغتسلون به، ويلجأون إليه، ويرفع عنهم الضيم والحيف والظلم والحاجة، ويرفع من شأنهم، ويدخلهم في جنات النعيم.

هو كذلك في حال كان الوطن ينبوع مترع بالحنان، وأن يرفق بالحيوان قبل الإنسان، وهو الحامي له، والملبي لرغباته والداعم لأبنائه ولأهله.

الوطن ليس بذاك البعبع الذي يخافُ منه أبناؤه ويرمي بهم في سلة المهملات، ويمضي مسرعاً في القصاص منهم، بل ويتصيّد حكامه أخطاء أبنائه، ويهزأ بهم ويرميهم في السجون وفي المعتقلات، ويعمل على هدم بيوتهم، وأكثر من ذلك هو قطع الطريق أمامهم في الوصول إلى رغباتهم، وتلافي معالجة شكواهم وتذّمرهم، وعدم الوقوف على معاناتهم وما يحتاجونه!.

في سورية على سبيل المثال ظلّ البلد يعاني الكثير، وأهله يلتمسون الحلول بلا جدوى!

ومن بين هذه الصور العميقة التي يطالعك بها شباب البلد، سواء في سوريا وفي غيرها من البلدان العربية التي عانى أبناؤها من الفقر والحاجة، وسوء معاملة حكامها. ومن بين ذلك يظهر المغردون الذين تميل كفتهم بالطبع حيال هؤلاء الحكام لأنهم مستفيدين من عطاءاتهم، وولائهم لهم. وفي هذا الإطار بتُّ أستغرب أنَّ هناك بعض المهتمين من الصحافيين، من يدافع عن هذه الأنظمة القمعية، بل ويحترمها ويقدّرها حق قدرها، في حين أن هذه الأنظمة تعرّي أبناءها وترميهم في غياهب السجون وتقتص منهم، وتلاحقهم في كل مكان، وبالأخير يأتيك ذلك الأبكم والأصم المستفيد من وجود هذا النظام القائم ليكون بوقاً له، ويرفع صوته عالياً مدافعاً، وبكل تفاخر عن جرائمه وعلله، ويواجهك بكل وقاحة، بقوله: إنّه بلدك، وعليك الدفاع عنه. إنّه الأم الرؤوم التي يجب أن تحتضن أخطاؤه، وتحافظ عليه، وتبادر إلى حماية حدوده، وتلبي حاجته وتطيع أوامر حكامه.

أي وطن هذا، وأي بلد يمكن للإنسان أن يحترمه ويذود عنه الويلات، ويقدّر ما قدّمه ما دام أنّ العصابة التي تقوم على إدارته ما يهمها سوى مصالحها الخاصة، وما تكسب منه، وما تدره أرضه من خيرات. كل شيء في البلد يخصّ جهة معينة ويُمنع عن آخرين لا صوت لهم، ولا مقدرة يمكن أن يصلوا إلى جزء بسيط من حقوقهم المشروعة. المستفيدون وحدهم دون سواهم، وكما ذكرنا، هم المدافعين عمّا يجري داخل الوطن الذي يُرحّب بأمثال هؤلاء الذين لا يهمهم سوى ابتزاز الناس وسرقتهم، واستغلال بساطتهم لأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً.

 أبناء البلد الحقيقيون يعيشون على الفتات. على القلة وغيرهم يعيشون في النعيم. وما يمكن أن يدره عليهم، وهذا ما يعني أن الوطن فيه الكثير من الفقراء، الذي يحتاجون إلى رغيف خبز يسدون به رمقهم؟

أي وطن هذا الذي يشبه الأم؟ وأي وطن يمكن أن نحتضنه بقلوبنا ونخاف عليه، ونلهف إلى احترامه ونتذكر عطاءاته والسعي إلى أن نضمّه بالأحضان. لا أظن أن بلداً يساوي أو يمكن أن نقارنه بحضن الأم مهما كبر واتسع.

 

#فضاءـالرأي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي