انشغل العراقيون طيلة الايام الماضية بقضية ليست حديثة، وهي تسريب اسئلة الامتحان الوزاري. وتعددت انماط التفسير للقضية، بين من ذهب الى اعتبارها كارثة امن قومي وضياع مستقبل اجيال، وبين من عزاها الى انعكاسات سياسية والصراع على السلطة وفشل السياسات العامة، وذهب اخرون الى تصنيفها ضمن مسلسل التردي والانهيار في بنية السلطات بسبب الفساد والمحاصصة والمحسوبية، وتعجب بعض اخر من الاهتمام المبالغ به في هذه القضية معتبراً اياها ممكنة الحدوث وتحصل في بلدان عديدة اكثر تقدماً من العراق واقل مشكلات وأزمات.
العراقيون بارعون في تشخيص المشكلات، وقد ندخل في تفاصيل التفاصيل لنلقي بمسؤولية الاخطاء على عاتق هذه الجهة أو تلك، أو ذلك الزعيم أو الوزير أو المدير، ثم نحيل الاشكالية الكبرى الى فشل النظام السياسي وأقطابه، وننتظر الحل من هؤلاء الاقطاب الذين نختلف عليهم وفيهم، ثم نشتم بعضهم ووننزه اخرين وقد نشتمهم جميعا، لنعود في اسبوع جديد ننشغل بكارثة جديدة وازمة مستجدة، وتصبح يوميات البلاد سلسلة غير متناهية من المشكلات في شتى القطاعات والميادين، فما ان ننتهي من واحدة حتى تبدأ الاخرى وهكذا.
ما الحل؟
يقودنا الخيال السياسي الى الحلول الجذرية الصفرية على طريقتنا العراقية، فنحبذ الخيارات الملائمة لرغباتنا وامزجتنا، فيحضر لدينا خيار استبدال الطبقة السياسية بغيرها، مفترضين ان القادمين سيكونون اصلح من الموجودين، ولابد من اقتلاع الذين اداروا التجربة السلطوية لتستقيم احوال البلاد .
يقفز في هذه الاثناء خيار الحل بطريقة الحزمة الشاملة، وهي انتظار القوى السياسية ان تؤسس لسلطاتها الحكومية، لتقوم الاخيرة باصلاح الامور جملة واحدة، فالنظام السياسي هو الذي يبدأ الخطوة الاولى ويواصل الخطوات الوسطى ويجني مكاسب الخطوة الاخيرة. واذا لم تُحل ازمة النظام السياسي أو ازمة تشكيل الحكومة؟، هل تبقى الامور رهينة الساعة السياسية الهانئة التي قد تأتي او قد لا تأتي!
ان المشكلة هي انهيار القيم، قيم الادارة والمسؤولية والامانة والاخلاص والنزاهة، حسنا وماذا بعد؟ كيف نعيد القيم لأمة ثلاثة ارباعها مؤمنين ونصف شبابها مؤدلجين اسلامياً ومتمسكين باعرافهم العشائرية وطقوسهم الدينية ومنابرهم لا تصمت عن الكلام من الجمعة الى الجمعة!
حل ثالث لا ينتمي الى منظومة ماكس فيبر ولا الى علوم الادارة الحديثة ولا تجارب العالم القديم والحديث؟، ماهو؟ الحل بالقسوة والعقوبات الصارمة، كثيرون من أؤيد هذا الحل القمعي في النظام السابق!، فصدام امر باعدام مسؤول اداري وحزبي كبير لانه لم يستطع منع ابنه من سرقة الاسئلة، نعم، من أمن العقوبة اساء الادب!
جميل، فالقانون ضرورة والحزم في تطبيقه هو اساس ادارة الدول، في عالم لا تقوده القيم والضمائر وحدها، بل القوانين والانظمة والقدرة على تطبيقها بصرامة ودون محاباة.
هل العودة الى نموذج الاستبداد وعقوبة الاعدام وقطع الاذان وجدع الانوف هي السبيل لارغام شعب على الانضباط وتعويد امة على الاستقامة بمنطق يسوده الخوف؟