: آخر تحديث

لبنان الذي كان والذي سيكون

39
45
34
مواضيع ذات صلة

دون شك إنه النصر اللبناني الذي حققه الإصلاحيون والتغييريون والمتنورون على دولة السلاح والتزويروالعمالة والاختلاس.

ولكن الذي كان متوقعا ومنتظرا أن تكون مناسيب الفقر والجوع والذل والاغتيال والاختلاس التي جرعها حزب الله وحلفاؤه لكل لبناني، أيا كان دينه وطائفته ومدينته وقريته، كافية لمنع عشرات الآلاف من الناخبين من مكافأته بهذا العدد من الأصوات.

بل كان مؤمَّلا ولازما وواجبا أن يضع الشيعي اللبناني وطنه فوق طائفته ويعاقب، نيابة عن باقي شركائه في الوطن، إبن طائفته الذي ظلم وغدر وخان ولا يعينه على الإثم والعدوان.

ولكن، كما يبدو، تظل هناك جماهير، جهلا أو تعصبا أو انتهازية، تناصر القاتل وتخذل المقتول، وتبارك السارق وتلعن المسروق، وتظل مع الواقف القوي الذي ترى ظلمه وجهله وسرقاته وتقبل يده، وتتغنى بفضله، وتتمنى له طول البقاء. 

وقد تحدّث سقراط وأفلاطون وإبن خلدون والمتنبي وأبو العراء المعري والرصافي والسياب، وكثير من الفلاسفة والمفكرين والأدباء عن هذا النوع من الجماهير الغوغائية، وأجمعوا على أنك لو أجلست قرداً على كرسي قيادة، ومنحته المال والجيش والشرطة لأصبح غزالا في عيونها، وليس في عيون أمه وحدها.

ومن مكرر الحديث عن لبنان أنه كان جوهرة المنطقة العربية، بلا منازع، في العلوم والثقافة والآدب والفنون والأناقة والطباعة والنشر والسياحة والتجارة والاقتصاد. 

ويكفي أنه أنجب لنا جبران خليل جبران ومي زيادة وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وسعيد عقل وأمين معلوف وأمين نخلة والأخطل الصغير، (بشارة الخوري)، وخليل حاوي وعبد الله العلايلي وكمال جنبلاط ورياض الصلح ورشيد كرامي وكامل مروة، وفيروز والأخوين رحباني ووديع الصافي وصباح ومجلة الآداب وسهيل إدريس ومجلة  شعر وأنسي الحاج والعشرات من دور النشر الكبرى التي لم يكن العرب يقرأون بدونها.

وكان، ولا شك، ملاذا آمنا لجميع السياسيين والكتاب والشعراء والمفكرين العظماء الهاربين من بطش حكوماتهم، أيا كانت عقائدهم ومبادؤهم وافكارهم، وأيا كانت أجناسهم وأعراقهم. 

حتى ظهر الخميني، فجأة، مبشرا بنظريته المدمرة القائلة بتصدير الثورة إلى دول المنطقة، لتبدأ رحلة خراب بيوت العراقيين ثم السوريين فاللبنانيين، ليبدأ هذا البلد الآمن الأنيق الجميل يفقد أمنه وأناقته وجماله، سنةً بعد سنة، إلى أن جعله الخميني ووريثه علي خامنئي وقاسم سليماني ومن بعده اسماعيل قاءاني وأتباعُهم  ومجنَّدوهم موطنَ الاغتيال الأول، وبلد الخطف الشهير، والسرقة المتميز، ومُهرب المخدرات، ومُفجر السفارات والمؤسسات والموانيء والمطارات، ثم ليصبح، أخيرا، بسلاح حزب الله وحلفائه الآخرين دولة مفلسة وفاشلة بجميع المقاييس. 

فعلى مدى ثلاثين عاما، وهي زمن خلافة حسن نصر الله، تغولت المليشيات المولدة في إيران، باسم المقاومة والممانعة، وبحضانة الحليف الأول لإيران الخميني في المنطقة، جزار سوريا حافظ أسد، ووريثه بشار، حتى صار سلاحُها هو الأقوى والأحدث والأكثر من سلاح الدولة، ثم أصبح تخريب علاقات الشعب اللبناني مع محيط العربي سياستها الثابتة. 

يعني، بعبارة أخرى، لقد حولوا لبنان من سويسرا الشرق إلى متسول يترقب المساعدات الخارجية التي تأتي ولا تأتي. 

وقد أكد مؤشر مدركات الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أن لبنان احتل المرتبة 149 عالمياً من أصل 180 دولة في مؤشرات الفساد.

ولكن، وبعد تراكم جرائم حزب الله، وأخرُها جريمة تفجير ميناء بيروت، تأكد الشعب اللبناني من أن طواحين الفساد والظلم والاختلاس والقتل والاغتيال التي لم تفرق بين شيعي وسني، ولا بين مسلم ومسيحي، أيقظت الإرادات اللبنانية الحرة المثقفة المتنورة وتعلن مسيرة التحدي والمواجهة. واستنادا إلى بيانات المؤسسات الإحصائية المحايدة كان أشبه باليقين أن النقمة على حزب الله، باعتباره المسؤول الأول والوحيد عن الخراب، قد بلغت أقصى مدياتها المحتملة، وأن الانتخابات الجديدة سوف تقلب الطاولة عليه وعلى جميع من شاركه الجريمة، وتطردهم جميعَهم، وتأتي بحكومة وطنية شجاعة ونقية ونزيهة تباشر، وعلى الفور، بإصلاح ما ينبغي إصلاحه، عاجلا، من أمور السياسة والمال والاقتصاد والمعيشة، وتستعيد أموال اللبنانيين المنهوبة، وتلاحق أقطاب التزوير والتفجير والاغتيال، واحدا بعد واحد، وتسوقهم إلى ساحات العدالة، لكي ينهض لبنان ويعود كما كان، بلد الثقافة والعلوم والفنون والأناقة والسياحة والازدهار.

ولكن الذي حدث شيء آخر. فقد غدرت الآلاف من الناخبين بأهلها، ومنحت حزب الله 15 مقعدا، وحركة أمل 17، والتيار الوطني الحر 18، وحلفاء حزب الله 8 مقاعد في برلمانٍ ولد من أعماق الغضب الشعبي العظيم. 

وقد يتمكنون من ضم نواب آخرين مستقلين إليهم، بالمال أو بالسلاح، ليصبح في إمكانهم البقاء على رأس الوليمة. وإذا لم يتحقق لهم ذلك فسوف يعطلون البرلمان، ويمنعون تشكيل حكومة، ويُبقون الحال على حاله شهورا، وإذا احتاجوا لحرب أهلية تُغرق الوطن بدماء أبنائه فسوف يفعلون.

تماما كما هو حدث عندنا في عراقنا (الديمقراطي) الجديد. فقد منحت جماهيرنا العريضة أصواتها لمن كان يسوقها، وسوف يظل يسوقها، بعصا الطائفية والسلاح المنفلت والأموال المنهوبة من مؤسسات الدولة أو الواردة من وراء الحدود. 

فمنحت التيار الصدري  72 مقعدا، ونوري المالكي 33،  وهادي العامري 17، ومسعود البرزاني 31، ومحمد الحلبوسي 37، وخميس الخنجر 14.

والسؤال هنا، ما الذي جعل هذه الآلاف من الناخبين تعطي أصواتها لهؤلاء؟. هل إعجابا بعلمهم وخبراتهم ونزاهتهم ووطنيتهم؟، أم لأنها وجدتهم لا ينفقون، في أيام الانتخابات، إلا من أموالهم الحلال مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، أم لأنها لم تجد واحداً منهم قد مدَّ يده إلى المال العام، وقبل رشوة، أو عين ولده أو أخاه أو خادمه سفيرا أو وكيل وزارة أو مديرا عاما، وهو أميٌ لا يستطيع كتابة جملة مفيدة واحدة؟ الله أعلم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي