الإمارات: القوة الناعمة المئوية

لم يعد التصنيف التقليدى للدول من عظمى وكبرى ومتوسطة وصغيرة قائمًا بعد التطور والانتشار في مفهوم القوة الناعمة، على يد المفكر الإستراتيجى جوزيف ناي الذى عرف هذه القوة بأنها قدرة الدولة في التأثير والإغراء دون إكراه ودون استخدام القوة كوسيلة للإقناع. فالسياسه في أوسع معانيها تعنى قدرة الفواعل الدوليه في التأثير على سلوك الآخرين بما يحقق مصالح الدولة الممارسة للتأثير. وتقليديا كان الإعتماد على القوة العسكريه والإقتصاد بإعتبارهما أبرز شكلين للقوة الصلبة والخشنه. وهذه القوة حكرا على الدول الكبرى والغنيه ، واليوم باتت القوة الناعمه بكل صورها من أهم أدوات التاثيرةواهميتها كما في نموذج الإمارات ان الدولة تؤثر على سلوك الدول الأخرى بنموذجها في مجالات القوة الناعمه كما سنرى.ودولة الإمارات من منظور المحددات الجغرافيه والسكانيه تصنف بالدولة الصغيرة ، ولكن من منظور القوة الناعمه والقوة الصلبه في شقها الإقتصادى تعتبر من الدول المؤثرة في صناعة القرار الإقليمى والدولى بما تقدمه من نموذج للقوة الناعمه.والقوة الناعمه لم تعد حكرا على الدول الكبرى بل يمكن حتى للدول الصغيره ان تتفوق فيها.وعندما نتكلم عن القوة الناعمه في النموذج الإماراتى يقفز أمامنا عناصر ومكونات هذا النموذج الذى يستلهم الدول والشعوب الأخرى , أولا في مجال التنميه السياسيه والحكم الرشيد، وثانيا في مجال التنميه الإقتصاديه، وثالثا في مجال التنميه الإجتماعيه ورابعا في مجال التنميه الثقافيه والقيميه وخامسا التوافق بين ألأصالة والحداثة والتنوير.والقوة الناعمه التي تقوم عليها دولة الإماارت تكمن في تعريف جوزيف ناى المنظر الإستراتيجى الأمريكي بالقدرة على التأثيرةالحوار والإغراء دون إكراه أو دون إستخدام القوة كوسيله للإقناع.وهنا الملاحظة الأولى ان دول القوة الصلبه هي من تلجأ للقوة للسيطرة والنفوذ، ولكنها فشلت أن تقدم نفسها كنموذج ملهم للآخرين.واليوم تعد دولة ألإمارات من الدول الرياديه كنموذج للقوة الناعمه، وهذا ما ماعبر عنه الشيخ محمد بن راشد في أحد تصريحاته: ما تصنعه الإمارات هو بناء نموذج ناجح للمنطقه تستطيع أي دوله أن تتبناه ويصلح للتطبيق في المنطقة بكل تعقيداتها وتداخلاتها.والخطوة الأولى بدأت مع قيام دولة الإمارات من نموذج قبلى متفرق إلى كيان إتحادى وهنا دور المؤسس الشيخ زايد وأخوانه الذين أدركوا ماذا يعنى لهم بناء هذا النموذج الإتحادى الذى يضمن البقاء والقوة ووإدراكا بأهمية القوة الناعمه أشير إلى  مبادرة الشيخ محمد بن راشد تأسيس مجلس القوة الناعم. عام 2017 وما لهذا من دلاله عميقه أن حسابات القوة ليست عشوائيه بل تقوم على العلم.ومهمة هذا المجلس وضع الإستراتيجيات لتعزيز سمعة الإمارات ومكانتها إقليميا ودوليا كقوة إقتصاديه إستثماريه سياحيه ومنطقة إلتقاء للحوار والسلام الإنسانى ، لتقدم بذلك هذا النموذج الذى تفتقده الدول في علاقاتها التي قامت على القوة المجرده فقط. وهذا جعل الإمارات دولة يتطلع اليها الجميع ومكانا لملتقى الفعاليات العالميه.والقوة الناعمه تشمل على مكونات وعناصر أساسيه ألأول سياسى يتمثل في البناء الإتحادى والمؤسساتيه السياسية والحكم الرشيد. وإقتصاديه ثقافيه في البناء والمؤسسات الإقتصاديه ودور الثقافه وإنشاء وزارات متخصصه لتفعليها وتطويرها والعنصر الثالث لعنصر القيمى بالتركيز على القيم الإنسانيه وفىقيم الأصاله التي تستمد جذورها الضاربه في تقاليد الدولة . ولذلك كانت الدولة ملتقى للثقافات الإنسانيه التي عبرت عنها وثيقة ألأخوة الإنسانية بحضور شيخ الأزهر احمد الطيب وبابا الفاتيكان وبالبيت الإبراهيمى.ولعل من أبرز مساهمات الدولة في مجال القوة الناعمه الممارسه الفعليه بإنشاء مؤسسات حكوميه وغير حكوميه للمساهمه في المساعدات الإنسانيه والإغاثيه. ولتحتل الدولة مكانا متقدما كأحد أكبر المساهمين في هذا المجال.ومن اهم هذه الصناديق صندوق أبو ظبى للتنميه.وإصدار القوانين المتعلقه بمكافحة التمييز العنصرى.وغيرها من القوانين التي أشعرت الوافد بالعمل دون تمايز، ولعل هذه الإستراتيجيه والمقاربه تفسر لنا نجاح الدولة في إحتواء والتعايش مع أكثر من مائتى جنسيه .نموذج القوة الناعمه للدولة يقوم على الفعل الإنسانى ، فالقوة الناعمه سلوك وفعل يزرع التسامح واالخيرية والإنسانيه، وبهذا السلوك ترقى الدول لمصاف الدول الكبرى فالإمارات بقوتها الناعمه تدخل بداية مئويتها لتكتمل بها قوتها الشامله.