: آخر تحديث

العجيب والغريب عن سويسرا

1
1
1

يقول المثل الإنكليزي: No news, Good news أي: لا أخبار سيئة.. إن غابت الأخبار. فعندما لا نسمع عن البعض، من أقارب وأحبة، لفترة طويلة، فهذا يعني غالبا أن أمورهم طيبة، ولو كانت هناك أحداث مقلقة أو وفيات لسمعنا بها.

ينطبق هذا المثل على دول عدة، التي نادرا ما نسمع عنها شيئا، وقد تكون سويسرا أشهرها، بالرغم من أنها تقع في قلب أوروبا، مركز فوران الأحداث، منذ القرون الوسطى، ومع هذا حوادثها قليلة وكوارثها نادرة، ولا تشكو من اضطرابات عمالية أو سياسية، ولم تعتد شوارعها على التظاهرات، ولا يعرف العالم أو يكترث لانتخاباتها، ولا أحزابها أو من هو رئيسها ومحرك سياساتها، وهي بالتالي الدولة الأكثر غموضا في العالم، بالرغم من كل ما يشاع عن شفافيتها، وكان الإفلاس الذي تعرض له قبل عام بنك كريدي سويس مثال استغراب الكثيرين، بعد استحواذ بنك «يو بي إس» (UBS) على منافسه الأصغر، في محاولة لتجنب وقوع اضطرابات في القطاع المصرفي العالمي، لإنقاذ البنك الذي أُسّس قبل 167 عاما، ويعد من بين أكبر مديري الثروات في العالم.

من أغرب الأمور التاريخية عن سويسرا ما ارتبط بحيادها الذي بدأ منذ معركة «مارينيانو» في سبتمبر 1515، حين تعرض الاتحاد السويسري القديم لهزيمة، تلاها توقيع معاهدة سلام مع فرنسا في نوفمبر 1516، مشكلة بذلك بداية التزام الحياد. قبل ذلك، كان الاتحاد السويسري يتبع سياسة توسعية.

اعترف العالم رسمياً بحياد سويسرا في مؤتمر فيينا عام 1815، حيث أكدت القوى العظمى الحياد الدائم لسويسرا وأقرته سياستها الرسمية، وهو أول اعتراف بالحياد من نوعه على مستوى أوروبا. ثم تم تجديد الاعتراف الدولي به في معاهدة فرساي عام 1919. كذلك، اعترفت عصبة الأمم، وكان مقرها في جنيف، بالحياد السويسري رسميًا في عام 1920.

يتميز الحياد السويسري، مقارنة بحياد دول أخرى مثل النمسا (1955) وفنلندا، وأيرلندا (1922)، وليختنشتاين (1868) والسويد (1834)، ومالطا، وكوستاريكا (1949)، بدعم اتفاقيات دولية ثلاث، والسبب لأنهم اعتبروها خزان ثروات الأمم، والملاذ الآمن لثروات كبار اباطرة المال والسياسيين وحتى كبار رجال العصابات، وهو حياد له خصوصية، بخلاف اعتماده على ضمانات من قوى كبرى. كما ان حيادها ثقافة وطنية تقوم على التسلح الدفاعي والوحدة الوطنية، ما جعله مثالا ونجاحًا ونادرًا في التاريخ الحديث. كما تبذل سويسرا كل جهودها في المحافظة على هذا الحياد، رغم الأزمات الدولية الكثيرة، ويدخل ضمن هوية سويسرا الوطنية والسياسية.

تبقى سويسرا، بالنسبة للكثيرين، مثل مغارة علي بابا! لما اشتهرت به من جديّة، وقسوة، أحيانا، في تطبيق الأمن، إضافة لقوة استخباراتها، المسؤولة عن حماية والتغطية على كل مصادر أموالها، غير المعروفة. كما الاعتراف بحيادية سويسرا لم يكن بريئاً، فلم يكن يتخيّل اي ممن حضروا اتفاقيات حياديتها، مرامي وأهداف ذلك الطلب، الا عندما توالت الحروب الكبيرة في اوروبا، وتجمعت كل أو أغلبية السرقات من تحف وأعمال فنية وذهب ومصاغ وأموال، ومستندات مهمّة وخطيرة، في صناديق المصارف السويسرية، العميقة تحت الأرض!

يعود الفضل لجعل سويسرا دولة محايدة في العصر الحديث، لعدة شخصيات، وعلى مدى عدة مراحل وأحداث مهمة. ففي العصر الحديث، كان لمؤتمر فيينا عام 1815 دور حاسم في تثبيت حيادها، حيث فرضت القوى الأوروبية الكبرى الحياد على سويسرا كجزء من الترتيبات الدولية بعد حروب نابليون، لضمان عزل فرنسا وخلق توازن قوى في أوروبا. وكانت هناك شخصيات سويسرية مثل المستشار الفدرالي آرثر هوفمان الذي ساهم في تعزيز ذلك الموقف.

كما أسهمت الحربان العالميتان الأولى والثانية في ترسيخ سياسة الحياد المسلح التي تبنتها سويسرا، حيث جندت نصف مليون جندي للدفاع عن حيادها، مما أكد استعدادها للدفاع عن نفسها ضد أي اعتداء.

إلى جانب ذلك، لعبت المنظمات الدولية التي استقرت في سويسرا مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعصبة الأمم دورًا في ترسيخ مكانة الحياد السويسري في العالم. وبالتالي، فإن الحياد السويسري هو نتيجة توازنات سياسية دولية ودور قوي لدبلوماسيين سويسريين وشخصيات قيادية محلية عبر قرون من التاريخ الحديث، ويقال ان لعدة أسر ثرية، كـ«روثشايلد»، دورا في ترسيخ هذا الحياد، حفاظا على ثرواتهم. وهكذا أجمع أصدقاء وأعداء سويسرا على اعتبارها الملاذ الآمن لثرواتهم.. أو بالأحرى لسرقات الكثيرين منهم!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد