: آخر تحديث

بعد عام... لبنان ما زال يرفض مواجهة «حزب الله»

0
0
1

قبل يوم من الذكرى السنوية الأولى لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» أعلنت الحكومة اللبنانية أنها ستمنح بطاقات إعاقة رسمية ومزايا كاملة لآلاف من عناصر «حزب الله» الذين أُصيبوا خلال العملية الإسرائيلية السرية في سبتمبر (أيلول) 2024، حين فجّرت إسرائيل أجهزة النداء الخاصة بالميليشيا اللبنانية. وقد أدانت إدارة ترمب قرار بيروت بتوفير شبكة أمان اجتماعي لعناصر من «حزب الله»، فسارعت الحكومة اللبنانية إلى التراجع عنه تحت الضغط. لكن هذا القرار -وإن سُحب- يعكس دينامية مقلقة في لبنان بعد أكثر من عام على الضربة التي وجّهتها إسرائيل إلى الحزب وأطاحت بقيادته.

إن استمرار خضوع الحكومة اللبنانية الشديد لـ«حزب الله» يوحي بنسخة لبنانية من «متلازمة استوكهولم». ففي 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بعد عام على وقف إطلاق النار، لن يحتفل كثيرون بالهدنة المتعثّرة. فقد أعلنت إسرائيل الأحد الماضي، أنها قتلت رئيس أركان الحزب في غارة خارج بيروت -تذكير آخر بأن لبنان لم يفِ بوعوده الصريحة في نزع سلاح الحزب وفرض سيادة القانون، ولا يبدو أنه سيفعل قريباً.

كان المزاج اللبناني أكثر تفاؤلاً في يناير (كانون الثاني) 2025، حين تعهّد رئيس البلاد المنتخب حديثاً، جوزيف عون، في خطاب تنصيبه بنزع سلاح «حزب الله»، وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. لكن التقدم على الجبهتين يكاد يكون معدوماً. فقد تعثرت جهود الجيش اللبناني لنزع سلاح هذه الميليشيا التي لا تزال -رغم إنهاكها- خطيرة. وهدد الحزب بإشعال حرب أهلية جديدة إذا واصل الجيش جمع أسلحته. وبات الجيش، المرهوب، يتجنب تفتيش ما تسمى «الأملاك الخاصة»، حيث يخزِّن الحزب معظم ترسانته. في الوقت ذاته، يحتجّ كلٌّ من الحكومة والجيش على الغارات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف مخازن أسلحة الحزب.

وبعد عشرة أشهر على توليه الحكم، يظهر أن حكومة عون مترددة أيضاً في السعي إلى تحقيق العدالة ومحاسبة الميليشيويين وحتى المجرمين العاديين. وأبرز مثال على ذلك أنْ لا تقدُّمَ يُذكر في التحقيق أو المحاكمة بشأن المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت عام 2020، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، وأصاب نحو 6000، وشرّد نحو 300 ألف.

من المفترض أن تجري محاسبة عدد كبير من المسؤولين السابقين عن تخزين نحو 3000 طن من نترات الأمونيوم في قلب العاصمة بصورة غير سليمة. ولكن بيروت لا تمضي في هذا الملف؛ جزئياً لأن «حزب الله» متورط فيه بشكل موثوق. فالميليشيا لم تكن تسيطر على المرفأ فحسب، بل يُشتبه على نطاق واسع بأنها حوّلت جزءاً من النترات إلى نظام بشار الأسد في سوريا -المدعوم إيرانياً- لاستخدامها في البراميل المتفجرة ضد المدنيين خلال الحرب السورية.

أول من كشف احتمال تورط «حزب الله» في مأساة المرفأ كان أبرز ناقد شيعي للحزب، الكاتب والحقوقي لقمان سليم. ففي يناير 2021، أدلى بتصريحات تلفزيونية ربط فيها الحزب بالانفجار. وبعد عشرين يوماً، اغتيل في جنوب لبنان، معقل الحزب. لم تحقق الشرطة بجديةٍ في جريمة قتله، والجهاز القضائي المسيَّس لم يكن ميالاً إلى التحرك. وقد أُعيد فتح القضية مؤخراً تحت ضغط من أرملته -وهي ألمانية الجنسية- لكنها لا تتقدم.

ومنذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، يُعتقد على نطاق واسع أن «حزب الله» اغتال أكثر من عشرة سياسيين وصحافيين ومسؤولي أمن كانوا يحققون في هذه الجرائم. ولم يُحاسَب أيُّ مشتبه به داخل لبنان. كان ذلك متوقعاً في ظل الحكومات المتحالفة مع الحزب، لكنه أكثر إثارة للدهشة في عهد الحكومة الحالية التي تصف نفسها بـ«الإصلاحية» في حين أنها تواصل إرث الإفلات من العقاب.

لبنان لا يحقق عدالة بحق قتلة «حزب الله»، لكن إسرائيل تفعل. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، قتلت إسرائيل القيادي في الحزب يحيى عياش بغارة في سوريا. عياش -وهو عضو في وحدة الاغتيالات 121- كان الجاني الوحيد الذي أدانته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عام 2020؛ لدوره في اغتيال الحريري. وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشرت إسرائيل عبر منصة «إكس» تفاصيل عن اغتيال الحزب للسياسي المناهض له، إلياس الحصروني، في أغسطس (آب) 2023، الذي اختُطف وقُتل بالسم على يد الوحدة 121.

ولا شك أن نزع سلاح «حزب الله» مهمة محفوفة بالمخاطر، لكنها التزام قطعه لبنان على نفسه في اتفاق الهدنة مع إسرائيل. ويبدو أن الهدف الأساسي لبيروت اليوم هو تجنب المواجهة مع الميليشيا. أما تهديدات إدارة ترمب بوقف المساعدات العسكرية أو عرقلة إعادة الإعمار، فلن تكون كافية -لأن الخوف الأقرب والأشد هو الخوف من عنف الحزب- لدفع حكومة العهد أو الجيش إلى التحرك. لذلك، تقوم إسرائيل بالمهمة؛ تنفِّذ تعهدات عون نفسها والتزامات الدولة في الهدنة. ورغم الاحتجاجات الرسمية على الغارات الإسرائيلية، فإن أجهزة الأمن اللبنانية تفضّل في هذا الواقع «تقسيم العمل».

بعد الهجوم الإسرائيلي العنيف على «حزب الله» في خريف 2024، كانت واشنطن تأمل كثيراً في لبنان. والأجدى اليوم تخفيض سقف هذه التوقعات. يجب على إدارة ترمب الاستمرار في الضغط على بيروت لمصادرة أسلحة «حزب الله» وتمكين القضاء الخجول من التحقيق وملاحقة سلسلة الاغتيالات التي يُعتقد أن الحزب يقف خلفها. لكن إذا كان الماضي دليلاً، فلبنان -الخاضع لـ«حزب الله»- سيواصل الخذلان.

* مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بين 2019 و2021، وزميل أول في معهد واشنطن، ومدير برنامج السياسات العربية فيه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد