: آخر تحديث

مِن الأجداد إلى الأحفاد.. العَداوة!

0
0
0

أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث (2025) كتاب «تصالحُ الأبناء والأحفادِ.. المُصاهراتُ والأَسماءُ والصِّلاتُ بَينَ الطَّالِبَيين والأُمَويِّين والعبَّاسيِّين»؛ صحيح أن العداوة مِن الماضي؛ لكنها تعيش في الذّهنيَّة الجمعيَّة، وعلى أساسها تحدد الصلات والمواجهات بين المذاهب، مذاهب ترى العداوة لا تتوقف عند الأجداد، ومذاهب تعتبر ما تشكل بين الأبناء والأحفاد مِن مصاهرات وقرابات قد أوقفتها عند زمنها، فلا يجب أن تمتد إلى وقتنا هذا، وكأنها حصلت اليوم.وبالتالي إذا كان وراء كلّ كتابٍ، ومقالٍ أيضاً، وخصوصاً في مجال البحث في الخلاف الفكريّ والفقهي والعقائديّ، دافع يدفع المؤلف الخوض فيه، ويصب ذهنه عليه، وهدف ينشده، فالدَّافع لهذا الكتاب هي الطّائفيَّة المتوحشة، التي أخذت تسري نارها في المجتمعات المختلطة، مقاسمةً بين شِيعة وسُنَّة، وأديان ومذاهب أُخر؛ لكنْ ما عنى الكتاب به هو الاختلاط الأول؛ والهدف كشف الرِّكام عن المنسيات، أو المحجوبات، مِن التَّاريخ، ولا هدف غير الإِسهام في إطفاء النَّائرة.كتبتُ سابقاً مقالاً عنوانه: «كثرة الأحزان لا تعمر الأوطان»، والأحزان تركِتها المقاتل والحروب، وغدت تقاليد لتجارات وأسواق مشرعة المواسم؛ لذا لا بد مِن استمرار العداوات وديمومتها مِن جيل إلى جيل، وكلُّ جيل يضيف ما يناسب عصره، ومِن جيل إلى جيل تكبر كرات الثَّلج، وتصبح جبالاً مِن زمهرير البغض والحرابة.صارت كتبُ الغُلاة والضَّالعين في الدّسِ، وما يُلقى مِن على أعواد المنابر، ومِن صالات الفضائيات، ووسائل التَّواصل الاجتماعي، عماداً للتاريخ، ووفقها ما هو إلا وقائع من الاقتتال بين السُّنَّة والشِّيعة، على ما كان بين أجداد وأبناء وأحفاد الأمويين والعبَّاسيين والطَّالبيين، وضمنهم العلويون؛ لا مصاهرات ولا تبادل صِلات ومسميات مشتركة، حتَّى تمثلت لنا الجماعات الثَّلاث جزراً منعزلات بعضها عن بعض؛ بينها حروب مستمرة إلى أبد الآبدين.لكنْ مَن يبحث ويفحص سيجد إلى جانبها العكس؛ نعم توجد مقاتل كثيرات وعوازل عاليات، إلا أنَّ هناك التَّقارب والتّصالح بين الأجيال أيضاً، تجد إخواناً مِن أمهات فقط، أو آباء فقط، هم أبناء وأحفاد لطرفي معركة مِن المعارك.كان خلاف العداوة، التي وصلتنا رواياتها، بين عليّ بن أبي طالب(اغتيل: 40هـج) وعمر بن الخطاب (اغتيل: 23هـج)، وجود مصاهرات بين آل نُفيل أسرة عمر، وآل طالب أسرة عليّ، وأنَّ اسم عمر يتكرر في أولاد عليّ وأحفادهِ؛ وأن يكون أحفادُ عثمان بن عفَّان (قُتـل: 35هـج) إخواناً لأسباط عليّ؛ وأنّ عليّاً يحرص على حياة عمر، ولا يتمنى أنّ يتسلم السُّلطة لنفسه، وقد فضّل الوزارة على الإمارة؛ والمعنى لم يكن مستنكراً مَن سبقه إلى إمارة المسلمين، إلى حدّ ما تعيشه مجتمعاتنا اليوم؛ مِن تبادل كراهية فظيعة؛ ومتخيلات.

المدِّ الطَّائفي الفظيع، يُحسب لذلك ألف حساب، فالأُسر والطَّوائف تُعرف أو تُشخص ميولها وصِلاتها وانتماءاتها مِن أسمائها؛ وهذا ليس بواقع جديد، بل كان التّميز بالأسماء موجوداً في كلِّ زمان ومكان، وأيُّ زمان ومكان خلا مِن غلاة الطّوائف أو الجماعات؟ ومع ذلك لم تخلُ تلك القرون مِن العقلاء الذين يفكرون بمنطق «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، فالنِّزاع ينتهي عند الأجداد، لا يؤبد ولا يُوَرث مِن جيل إلى جيل؛ إلا إذا استجدت مصالح يُحشد الأتباع إليها بالماضيات.السُّؤال: هل الأبناء والأحفاد تنصلوا عمَّا كان بين آبائهم وأجدادهم مِن مقاتل وخلافات؛ وكانوا قد شهدوها وجهاً لوجه، في ساحات المعارك ومجالس الخلافات؟ أم أن أنهم حصروها في زمنها، ولا بد أن يتعايشوا، والتَّعايش يفرض الزَّاوج بينهم البين، وكان شرط النَّسب مأخوذاً به، فهم بني عبد مناف جميعاً؛ وقد تستغرب أنّ أمويين احتجوا واعترضوا على نية زواج الحجَّاج بن يوسف الثّقفي(95هج) مِن إحدى الطّالبيات، لأنه ليس مِن عبد مناف، مع أنه كان أميرهم المخلص(الزُّبيريّ، نسب قُريش).*كاتب عراقي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد