عماد الدين حسين
هل يصلح نموذج غزة لحل الأزمة الروسية الأوكرانية؟!.. أظن أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المنتشي بخطته لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتحولها إلى خطة دولية بصدور قرار من مجلس الأمن بشأنها، صار مقتنعاً بإمكانية تكرار النموذج نفسه في الأزمة الأوكرانية مع فارق التفاصيل.
بالمنطق البسيط والبديهي، فإن الإجابة على السؤال هي النفي التام بسبب الاختلاف الجذري لعناصر كل أزمة على حدة وظروفها وتشابكاتها.. لكن مَن الذي قال إن ترامب يعمل بالمنطق المتعارف عليه في السياسة الدولية؟
نعود إلى ما بدأنا به ونسأل: هل يمكن أن يتكرر نموذج غزة في أوكرانيا؟
في التفاصيل، فإن موقع أكسيوس الأمريكي كشف عن أن إدارة ترامب تعمل على خطة سرية جديدة لحل أزمة أوكرانيا من 28 بنداً على غرار خطة حل أزمة غزة المكونة من 20 بنداً.
بعد ذلك بساعات، نقلت وكالة رويترز أن أبرز بنود الخطة الأمريكية تتضمن تنازل أوكرانيا عن كامل إقليم دونباس، وتقليص عدد القوات الأوكرانية، وخفض المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، والاعتراف بالوضع الرسمي للكنيسة الأوكرانية، وتدريس اللغة الروسية لذوي الأصول الروسية في أوكرانيا.
ومن بنود الخطة، تبادل الاتصالات بين بوتين وزيلينسكي، ثم لقاء مباشر بينهما أوائل مارس المقبل، يتبعه وقف لإطلاق النار ونشر قوات دولية في منطقة منزوعة السلاح، وأخيراً توقيع اتفاق سلام في 9 مايو المقبل، وهو يصادف يوم النصر في أوروبا.
ومقابل كل ذلك، تقدم أمريكا ضمانات أمنية لأوكرانيا وأوروبا ضد أي هجوم روسي محتمل في المستقبل.
بالطبع هذا الاقتراح مرفوض أوكرانياً وأوروبياً، لكن وجهة نظر إدارة ترامب أن أوكرانيا لا تسيطر على هذه الأراضي الآن، وإذا رفضت كييف الخطة واستمرت الحرب فمن المرجح أن تخسر المزيد من الأرض.
وبالمقارنة، فإن ذلك هو المنهج الذي اتبعه ترامب في خطة غزة، فهي تبدو مجحفة جداً للفلسطينيين، لكنه قال بوضوح إن هذا هو أفضل المتاح.
وحينما هددت روسيا باستخدام الفيتو ضد الخطة في مجلس الأمن، قالت واشنطن إن هذا يعني استئناف إسرائيل للحرب ضد الفلسطينيين، هو المنهج نفسه الذي كان يهدد به ترامب الفصائل الفلسطينية حينما كان يقول لهم: «إذا لم تفعلوا كذا وكذا فسأفتح ضدكم أبواب الجحيم».
روسيا تقول إن أي خطة لا بد أن تعالج كل الأسباب الجذرية التي قادت إلى نشوب الأزمة، وأوكرانيا ومعها أوروبا يريدون انسحاباً روسياً شاملاً من كل الأراضي التي سيطرت عليها، وخطة ترامب تحاول الموازنة بين الموقفين، وإن كانت خطوطها العامة تميل لصالح روسيا.
ولذلك كان من البديهي مسارعة أوكرانيا لرفض الخطة، وتردد أن المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف ألغى اجتماعه الذي كان مقرراً مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بسبب رفضه للخطة.. في حين أن مستشاره للأمن القومى، روستم عميروف، وافق علي جوهر هذه الاتفاقيات خلال لقائه مع ويتكوف.
واشنطن غضبت من زيلينسكي لأنه ذهب في اليوم نفسه إلى تركيا بخطة مختلفة صاغها مع الأوروبيين، وسرَّب الأوكرانيون رفضهم للخطة الأمريكية، وطلبوا إجراء تعديلات جوهرية لكي يفكروا أولاً في مناقشتها، وأعربوا عن غضبهم من تسريب أمريكا للخطة قبل تبلورها.
ومن الواضح أن الضغوط الأمريكية على كييف وأوروبا شديدة حتى تقبل بالخطة، مع استعداد واشنطن لإدخال تعديلات عليها. مرة أخرى قد تبدو هذه البنود صادمة، خصوصاً لأوكرانيا وأوروبا، لكن هذه هي طريقة ترامب، وإذا كانت قد نجحت جزئياً في غزة، فهل تنجح في أوكرانيا؟
العامل الأساسي هو الموقف الأوروبي الذي ما يزال يميل حتى الآن إلى التشدد ضد روسيا، إضافة للاستمرار في دعم أوكرانيا، لكن السؤال هو: إلى أي مدى يمكن لأوروبا أن تستمر في تقديم الدعم لكييف؟ الإجابة على هذا السؤال قدمتها مجلة سبكتور البريطانية، حينما قالت إن أوروبا لم تعد قادرة على الاستمرار في تمويل أوكرانيا بالشكل والمستوى المطلوب.

