قليلة هي الأعوام التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط بشكل حاسم كما فعل عام 1979. إذ أطاحت الثورة الإيرانية بأحد الركائز الأساسية للهندسة الإقليمية الأميركية، ومهدت لعصر من السياسات الراديكالية التي غيرت وجه المنطقة. أما الغزو السوفيتي لأفغانستان، فقد أطلق العنان لقوى ستستمر تردداتها لعقود، ولا سيما من خلال تشكيل تنظيم القاعدة وتفرعاته اللاحقة. وفي الوقت ذاته، هزت حادثة اقتحام الحرم المكي المملكة العربية السعودية، ودفعتها إلى اتخاذ وضعية دفاعية أعادت تشكيل مسارها الداخلي، وبالتالي، أثرت على أجزاء واسعة من العالم العربي والإسلامي.
في أعقاب هذه الأزمات، انكفأت السعودية إلى الداخل بشكل حاد. وبدلاً من الانفتاح التدريجي للمجتمع على رياح التغيير التي كانت تهب من آسيا والغرب، مكنت المملكة تفسيرات ضيقة ورجعية للإسلام في الداخل، ودعمت تصديرها إلى الخارج. فالدولة التي كانت ذات يوم تتبنى التحديث التدريجي، شيّدت بدلاً من ذلك جدرانًا ثقافية وفكرية عالية. وحاولت القوى الرجعية – وإن لم تنجح دومًا – أن تغرس في جيل من الشباب السعودي نظرة جامدة تتعارض مع عالم يتجه نحو العولمة بسرعة. وقد امتدت تداعيات هذا الانكفاء إلى ما هو أبعد بكثير من حدود المملكة.
لمستُ هذه التناقضات عن كثب حين زرتُ المملكة لأول مرة قبل أكثر من ثلاثين عامًا كصحفي شاب ضمن برنامج تبادل. قضيت عامًا كاملاً أعيش بين الرياض وجدة. رأيت حينها طاقة كامنة هائلة – شعبًا ديناميكيًا يحمل فضولًا عميقًا تجاه العالم الخارجي – لكنني رأيت أيضًا قوى عاتية تقاوم التغيير، وتقاوم الانفتاح، وتقاوم قدوم القرن الحادي والعشرين. وعلى مدى العقود الثلاثة التالية، كنت شاهدًا على اتساع "ظل 1979 الطويل" في المنطقة، سواء من حيث الأثر الواقعي أو التصورات الخارجية.
وبالنسبة لواشنطن، حيث خلقت أصداء 1979 عدسة من التهديد وإدارة الأزمات واللااستقرار المزمن، ظل الشرق الأوسط حبيس هذا الظل لعقود طويلة.
لكن في عام 2025، بدأت تتضح ملامح شيء جديد.
أبرزت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن مدى اختلاف واقع المنطقة اليوم عن الصورة التي تشكلت في أعقاب 1979. فبطرق عدة، شكلت تركة أحداث ذلك العام المهد لمأساة 11 سبتمبر. وقد أظهر ولي العهد فهمًا عميقاً لأهداف أسامة بن لادن من ذلك الهجوم الإرهابي المروّع، حين قال في تصريحات من المكتب البيضاوي: "استخدم أسامة بن لادن سعوديين في ذلك الحدث لهدف رئيسي واحد فقط: تدمير العلاقة السعودية–الأميركية... العلاقة القوية بين أميركا والسعودية تضر بالتطرف، وتضر بالإرهاب".
عكس هذا التصريح إدراكًا بأن أنماط عالم ما بعد 1979 وما بعد 11 سبتمبر يجب أن تُواجه وتُكسر، لا أن تُكرر. ومع أن هذا التحول بدأ يترسخ داخل المملكة منذ سنوات، إلا أن واشنطن بدأت لتوها في استشعار هذه اللحظة. فقبل عشرة أو خمسة عشر عامًا فقط، كان الحوار السعودي–الأميركي يتمحور حول الطاقة والأمن والجغرافيا السياسية. واليوم، لا تزال هذه القضايا حاضرة، لكن النقاشات المفصلية باتت تدور حول الذكاء الاصطناعي، والتصنيع المتقدم، وتكامل سلاسل الإمداد، والطاقة النظيفة، وتدفقات الاستثمارات السيادية، وصناعات المستقبل.
من نواحٍ عدة، تمثل "رؤية 2030" نقيضًا مباشرًا للرؤية العالمية التي ألهمتها أحداث 1979. ومع ذلك، لا يزال كثير من التعليقات الغربية حول "رؤية 2030" يركز على المشاريع العملاقة الأكثر بريقاً أو على الأهداف الفصلية، مغفلاً بذلك المعنى الأعمق. فـ"رؤية 2030" هي محاولة المملكة لتفكيك عقود من الجمود والتحجر الأيديولوجي. إنها عملية "إعادة تأسيس وطنية": فتح للمجال الثقافي، وتمكين للمرأة، وتجديد للتعليم، ورهان على الصناعات المتقدمة، وجذب للمواهب العالمية، ووضع السعودية بثبات على مسار ازدهار القرن الحادي والعشرين، الذي ستحققه الدول القادرة على احتضان الحقبة الجديدة وصياغتها.
الأهم من ذلك، أن "رؤية 2030" تمثل تحولاً في العقلية. إنها جهد واعي لعكس الانكفاء الداخلي لعام 1979، ولصياغة عقد اجتماعي جديد لجيل شاب يطالب بالفرص والكرامة والحراك الاجتماعي. فالرؤية نفسها – لا "نيوم"، ولا "القدية"، ولا أي إنجاز مفرد – هي المشروع العملاق الحقيقي، وولي العهد هو مهندسها. ونجاحها سيكون ذا أثر مفصلي ليس فقط للسعودية، بل للمنطقة بأسرها.
والمنطقة الأوسع تشهد بدورها تحولات. فقد أصبحت الإمارات مركزًا عالميًا للمال واللوجستيات والنقل والتقنية، وألهمت نجاحات دبي المبكرة المنطقة بأكملها. المغرب ومصر يندمجان في ممرات التصنيع الأوروبية والأفريقية. وقطر تترجم قوتها في الغاز الطبيعي المسال إلى تصنيع تقني طويل الأمد. والعراق يعود ببطء للاندماج الاقتصادي.
حتى بعض الدول التي تخلفت عن الركب بدأت بالاستيقاظ. فسوريا ما بعد الأسد تبدأ مسيرتها الطويلة والشاقة نحو إعادة الإعمار والاندماج الإقليمي والدولي. وإن انتعاش الاقتصاد السوري سيشكل محرك نمو قوي في المشرق. ويحدونا الأمل أن يخرج الشعب الفلسطيني من كارثته الإنسانية إلى مستقبل أفضل. وأخيراً، فإن انتعاش الاقتصاد الإيراني وإعادة اندماجه لن يفيد شعبه المستحق فحسب، بل سيعم خيره على المنطقة بأسرها، وسيشكل رفضًا صريحًا لإرث 1979. تخيلوا ممرًا اقتصاديًا ولوجستيًا يربط بين سوريا والسعودية وإيران، ويدعم التجارة والازدهار.
في أنحاء المنطقة، بدأ منطق "الجيواقتصاد" – الترابط، والتنافسية، والتنوع – يتفوق على الأطر الأيديولوجية القديمة. والمنطقة بأكملها تحتاج إلى مشاريع "رؤية 2030" و"رؤية 2040" خاصة بها، لأن أياً منها لن يحقق النجاح الحقيقي ما لم تنهض المنطقة كلها.
وفي هذا المشهد الناشئ، تصبح السعودية الناجحة ليس مجرد هدف وطني، بل "مسرّع إقليمي". فبفضل ثقلها السكاني، وقاعدتها الرأسمالية، ونفوذها الديني، وموقعها الجغرافي، يمتلك مسار المملكة تأثيرات مضاعفة. وإذا تنوعت المملكة، وانفتحت، ونافست عالميًا، فهي تولد استثمارات ووظائف وفرصاً تمتد عبر العالم العربي. "رؤية 2030"، بهذا المعنى، ليست رؤية للسعودية وحدها؛ بل هي عمود فقري محتمل لشرق أوسط أكثر ثقة وتكاملاً اقتصاديًا.
لن تتخلص المنطقة من تركات 1979 بين ليلة وضحاها. فالنزاعات من غزة إلى السودان تضمن استمرار الديناميكيات القديمة. ولا تزال إيران تواجه تناقضاتها الداخلية: شعب شاب، متحضر، ومتصل تكنولوجيًا، يقابله قادة مسنون يقاومون التغيير. وفي الوقت ذاته، فإن التحول السعودي – رغم كونه لافتًا – لا يزال في مرحلة مبكرة. لكن المنطقة لم تعد تُعرّف فقط بماضيها. ثمة قصة جديدة تتشكل: طموح شبابي، وتنوع اقتصادي، واندماج عالمي، وجهد متعمد لكسر السرديات التي عفى عليها الزمن.
الأجندة بين الرياض وواشنطن، والتي تتركز اليوم على الذكاء الاصطناعي، والاستثمار، والابتكار، والصناعة المتقدمة، والطاقة النظيفة، والتنافسية العالمية، تعكس هذا التحول. لقد تغيرت المحادثات، لأن المنطقة نفسها قد تغيرت.
قد لا يزول "ظل 1979 الطويل" بالكامل أبدًا. لكن في عام 2025، لم يعد هو القصة الوحيدة. قوس جديد يتشكل – لا يزال هشًّا، لا يزال محل نزاع – لكنه يتجه بلا شك نحو الأمام. الشرق الأوسط يكتب فصلاً جديدًا، والمملكة العربية السعودية، التي كانت يومًا مثقلة بالحذر والقيود، تختار دخول المستقبل بوضوح وطموح غير مسبوقين.
وهذا، بالضبط، يجب أن يكون العنوان الحقيقي لزيارة ولي العهد السعودي.
*كتب المقال لـ"إيلاف" أفشين مولافي: زميل أول – معهد السياسة الخارجية في جامعة جونز هوبكنز – كلية الدراسات الدولية المتقدمة، ومؤسس مجلة Emerging World، وكاتب مساهم في Forbes.
لتصفح النسخة الإنكليزية من المقال:
The Long Shadow of 1979—and What the Crown Prince’s White House Visit Signals About Its End


