: آخر تحديث

التحالف الهش.. «قسد» و«الهجري» في مواجهة الدولة

3
3
3

رامي الخليفة العلي

في ظل التحوّلات المعقدة التي تشهدها الساحة السورية بعد إسدال الستار على مرحلة الأسد، ظهر إلى الواجهة تحالف غير متجانس بين قوات سورية الديمقراطية (قسد) وبعض الفعاليات المحلية في السويداء، وعلى رأسها المرجعية الدينية لطائفة الموحّدين الدروز ممثلة بشيخ العقل حكمت الهجري. هذا التحالف، وإن بدا في ظاهره محاولة لبناء جبهة موحّدة في مواجهة السلطة المركزية الناشئة في دمشق، إلا أنه في جوهره هشّ ومؤقت، ويبدو أنه محكوم بالفشل لأسباب بنيوية وسياسية عميقة. قسد، باعتبارها قوة عسكرية وسياسية ذات ثقل نسبي في شمال وشرق سورية، تعتمد في بقائها على دعم مباشر من الولايات المتحدة، وتمتلك خبرة تنظيمية ومؤسساتية واضحة، من المجالس المدنية إلى القوة العسكرية المدربة والمنضبطة نسبياً. غير أن هذه القوة تواجه معضلة ديموغرافية كبيرة، إذ إن المناطق التي تسيطر عليها تشمل كتلاً سكانية عربية واسعة لا تنظر بعين الرضا إلى هيمنة قسد ذات الغلبة الكردية. هذا التناقض البنيوي يعمّق من عزلتها المجتمعية، ويحد من قدرتها على التمدد أو بناء تحالفات راسخة خارج بيئتها التقليدية، ناهيك عن رفض دول إقليمية كتركيا بشكل قاطع لأي مشروع حكم ذاتي كردي في الشمال السوري، وهو ما يضعها في حالة من الحصار السياسي والجغرافي. أما في السويداء، فقد دخل الشيخ حكمت الهجري في صلب المشهد السياسي بصفته مرجعية دينية عليا، مستنداً إلى الرفض الشعبي الواسع لأيديولوجيا الإدارة الجديدة في دمشق، وساعياً إلى فرض واقع سياسي مغاير عبر الدعوة الصريحة إلى استقلال السويداء. لم يكن هدفه تفادي الفوضى أو الصدام الأهلي، بل استثمر في مناخ التوتر لترويج مشروعه الانفصالي، وانخرط بشكل كامل في إنشاء جهاز عسكري خاص به، مدعوم من قبل إسرائيل، يضم مليشيات محلية مسلحة. غير أن هذا الجهاز بدأ يُظهر مؤشرات على التفكك وعدم الانضباط، وهو ما كشف محدودية قدرة الهجري على فرض هيمنة أمنية متماسكة. وإلى جانب ذلك، لا يمتلك الهجري إدارة مدنية قوية قادرة على إدارة شؤون المنطقة بشكل فعّال. أما تحالفه مع قسد، فهو محاولة لإيجاد حليف بعد أن أصبح معزولاً. إن الضرر الأكبر على صورة الجبل جاءت من موقف الهجري الداعي إلى الانفصال، وهو ما ألّب عليه قطاعات واسعة من الرأي العام السوري والعربي والإسلامي، وأدّى إلى عزلته المتزايدة. الأخطر في هذا التحالف هو غياب الرؤية المشتركة أو المشروع السياسي الموحّد. فقسد، من جهة، تسعى إلى فرض نظام حكم ذاتي فدرالي بعيد عن المركز، وتُظهر قدراً من البراغماتية السياسية، إذ إنها لا تمانع في الوصول إلى تسويات وسطى مع المركز إذا توفرت الظروف، خصوصاً أنها تنصت جيداً للنصائح الأمريكية. أما مرجعية السويداء، فقد باتت لا تؤمن بوجود الدولة السورية كمفهوم سياسي جامع، وهو ما يجعل من إمكانية تفاهمها مع السلطة المركزية أمراً شبه مستحيل. هذا التباين في النهج والأسلوب، يجعل من التحالف بينهما هشاً، وأشبه بتحالف الضرورة، لا تحالف المصير. لذلك، فإن هذا التقاطع المؤقت بين قسد والهجري، وإن بدا موجهاً ضد المركز، إلا أنه يحمل في داخله كل عناصر التفكك والانهيار، إذ لا تتوفر له مقوّمات الاستمرار لا على المستوى العسكري، ولا الاجتماعي، ولا السياسي. ومع غياب الدعم الإقليمي لهذا التحالف، ورفض معظم السوريين لأي مشاريع تقسيم أو انفصال، فإن فرص نضوجه وتحوّله إلى حالة سياسية صلبة تبقى شبه معدومة. ومن ثم، فإن مصيره الطبيعي هو الفشل، وربما بسرعة تفوق ما يتوقعه أصحاب هذا المشروع الهجين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد