واحد من أهم القطاعات التي تؤدي دوراً مجتمعياً واقتصادياً حيوياً هو القطاع غير الربحي وانعكاسه على التنمية من خلال مساهمته في بناء الانسان وتعزيز جودة الحياة ودعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ولاشك هذا القطاع يشكل اليوم أحد محركات النمو، من خلال توجهه نحو الاستدامة والحوكمة والابتكار والتحول إلى اقتصاد منتج للأثر عبر تمكين الجمعيات والمؤسسات الأهلية من إدارة مواردها بفاعلية، وتأسيس وحدات داخلها تسهم في تمويل برامجها.. هذا النموذج يخلق بيئة عمل مؤسسية تتكامل فيها الأهداف الاجتماعية مع العوائد الاقتصادية، ويعزز من فرص التوظيف، ويزيد من كفاءة الإنفاق، ويقلل من الاعتماد على التبرعات.
تطور هذا القطاع له انعكاس مهم على المجتمع ويصل إلينا أثره الايجابي من حيث زيادة كفاءة الخدمات التي تقدمها مكونات هذا القطاع إضافة إلى رفع مستوى المشاركة المجتمعية، لأن أي مبادرة تُنفذ ضمن هذا الإطار تخلق قيمة مضافة تمس حياة الأفراد بشكل مباشر، سواء في التعليم أو الرعاية أو دعم الفئات المنتجة.. كما أن تطوره ينعكس كذلك على الاقتصاد عبر تنويع مصادر الدخل وتوسيع نطاق التوظيف في مجالات التنمية المجتمعية، ما يزيد من الحراك الاقتصادي ويحفز الاستثمار الاجتماعي.. ومع تزايد وعي الجمعيات بمفهوم الأثر، لا شك ستصبح البرامج أكثر عمقاً في أهدافها وأكثر دقة في تنفيذها، فتتطور من مشاريع محدودة إلى مبادرات مستدامة تُحدث تحولاً حقيقياً في حياة الناس وتُسهم في تحقيق توازن تنموي ينسجم مع أهداف الرؤية الوطنية.
وإذا ما نظرنا إلى المشهد الحالي نجد أن القطاع غير الربحي يسير بخطوات متقدمة مدعوماً بجهود حثيثه نحو بناء نموذج متكامل يقوم على الشراكة والمسؤولية والتنمية المستدامة، إذ أصبح فاعلاً في تنفيذ المشروعات المجتمعية ذات الأثر الواضح في الصحة والتعليم والإسكان والبيئة والتمكين المهني، ويعمل ضمن منظومة وطنية تتشارك فيها الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتحقيق نتائج ملموسة.. هذا التوجه يعزز من حضور الجمعيات كمؤسسات قادرة على إدارة مواردها وتنمية أصولها واستثمار طاقاتها البشرية في مسارات إنتاجية ترفع من كفاءتها التشغيلية وتضاعف أثرها المجتمعي خصوصاً مع توسع تطبيق معايير الحوكمة وقياس العائد الاجتماعي على الاستثمار.. ومع هذا التوجه تتشكل بيئة جديدة أكثر احترافية في العمل التنموي، تُبنى على البيانات والتخطيط طويل المدى، وتستند إلى الشفافية في الأداء والتمويل، ما يجعل القطاع غير الربحي شريكاً فاعلاً في النمو ومصدراً لإنتاج القيمة الاجتماعية والتنموية في مختلف المجالات.