: آخر تحديث

المرحُومة رُقَيَّة بين الرّقِي والمَغفِرَة

4
3
3

موسى بهبهاني

الفراقُ صعبٌ ومُؤلم خصوصاً فراق الأقرباء، وتطغى المشاعر المصحوبة بالألم والشوق لمن رحلوا، والشعور بأنّ جزءاً من الروح قد رحل معهم. وبالتأكيد ذلك الفقد لا يختفي بل يظل متواجداً ومتعايشاً معنا بقلوبنا ومشاعرنا ونضطر للعيش معه كجرح قديم يذكرنا بمن رحلوا، فجرح القلوب لا يلتئم ولا يندمل أبداً.

الموت هو الحقيقة التي لا يُجادل فيها عاقل، واليقين الذي لا يُنكره مؤمن، هو الحد الفاصل بين دار العمل ودار الجزاء، وبين الغفلة واليقظة الكبرى.

وقد صدع القرآن بهذه الحقيقة في قوله تعالى:

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾

رقية... رحلتِ فجأة وبصمت من دون وداع، بدأت تلك الرحلة المفردة الذهاب من دون عودة سريعاً ومن دون مقدمات.

حُكْمُ الْمَنِيَّةِ فِي الْبَرِّيَّةِ جَارٍ

مَا هِذه الدُّنْيَا بِدَارِ قَرَارٍ

وداعاً يالجيدة

كنت أناديك منذ سنوات طويلة مضت بلقب (الجيدة) وذكرتِ لي بعد مرور سنوات عدة، هل لا أزال جيدة؟ متى ستقوم بترقيتي بالمسمى؟

فأجبتكِ، ستظلين جيدة كي تستمري بالعطاء والسعي دائماً للتميز والوصول للأفضل، وبالفعل كنتِ دائماً الأفضل في كل جوانب الحياة.

رقية يالجيدة... تميّزت بالرَّقي في أربعة جوانب:

1 - الجانب المهني

تميزتِ بالمهارة العالية في تدريس اللغة الإنكليزية للطلبة في المرحلة الثانوية.

ساهمتِ في تحضير بيئة العمل الإيجابية من خلال تفانيك ومحبتك لعملك التربوي والعمل على التطوير المستمر، ما حبّب الطلبة فيكِ وبالمادة الدراسية.

فالتواصل الفاعل والتوجيهات المميزة مع زملائك المدرسات في المدرسة عندما تقلدت منصب مساعد مدير قد أثمر في تحقيق الوفاء بالمتطلبات التعليمية لتحقيق النجاح للطلبة.

2 - الجانب التعليمي

أبليتِ بلاءً حسناً، سواءً بالكفاءة العلمية وتمكنكِ من التدريس بأسلوبك المميز مع الطلبة.

3 - الجانب الاجتماعي

كنتِ ابنة بارة ومحبة لأسرتك أحببت الصغار بتشجيعهم على الاعتماد على النفس، بمشاركتهم بإداة العمل الحر المتمثل بمشروع صغير (المقصف) وشراء بعض المواد الغذائية وتحديد رأسمال المشروع والبدء بالبيع على أفراد الأسرة في يوم الجمعة والعطل الرسمية. وفي نهاية العام الدراسي توزّع الأرباح على الأطفال، فيتعلم الأبناء فن التعامل مع الآخرين وتعلم طريقة البيع والشراء والجمع والطرح والادخار.

4 - الجانب الأُسري

تميزتِ بالابتسامة والروح المرحة محبة للجميع، ابنة بارة بأسرتك، ومتميزة بإعداد الأطباق الشهية متمكنة على طهو الأطعمة اللذيذة.

ناهيك عن تميزكِ بصفة جميلة وهي قول الحق وعدم المجاملة مع الآخرين، وفي بعض الأحيان تتجنب التواجد مع البعض كي لا تتسبب أي مشكلة مع الطرف الآخر.

هنيئاً لكِ يا رقية عبدالغفور نلتِ باسمك (الرَّقيّ) وباسم والدك (المغفرة) فالله غفور رحيم.

استرجعت الوديعة يا رقية، وكأنك كنتِ على عجل وشوق للحاق بأختك المرحومة (ليلى) التي فارقتنا قبل 7 شهور.

ازدحمت بنا المصائب وكان الصبر والتجلد شيمتنا، وليس لنا أمام أمر الله إلا الاحتساب والرضا والتسليم، والحياة زائلة، ورحمة الله الباقية.

اللهم إنّ رُقيّة عَبْدِالْغَفُور في ذمّتك، فاغفر لها، وارحمهُا، إنّك أنت الغفور الرّحيم.

اللهم إن كانت مُحسنة فزد في حسناتها، وإن كان مُسيئةً فتجاوز عنها.

اللهمّ آنسها في وحدتها وفي وحشتها وفي غربتها.

اللهمّ أنزلها منزلاً مباركاً، وأنت خير المنزلين.

كل الشكر والتقدير لأخي العزيز الأديب السيد داخل سيد حسن، على تلك الكلمات النابعة من القلب في رثاء المرحومة الغالية:

هزني مَا قد أَصَابَك

جَبَرَ اللَّهُ مُصَابَك

يَا أَبَا الْمهْدِي صَبْراً

أَجْزَلَ اللَّهُ ثَوَابَك

دَقَّات هَذَا الْقَلْبِ مَعْدُودَة

فَاغْنَمْ بِهَا حَظُّك مِنْ دَهْرِكَ

مُوقَّت عُمْرِك فِي سَاعَةٍ

عَلَّقَهَا رَبّك فِي صَدْرِكَ

والشكر والتقدير موصول لأخي العزيز الأديب عبدالرسول الفراتي، على تلك الأبيات في رثاء المرحومة:

لكِ (بالكويتِ) مكانةٌ تتالقُ

ولكِ القلوب بحسرةٍ تتمزقُ

تتناثرُ الكلماتُ في آثاركِ

إذ كنتِ للتعليمِ طوداً يَسمَقُ

رُتَباً وإبداعا ونيلَ مفاخرٍ

والذكرياتُ كثيرةٌ لو تنطِقُ

عن أيِ شي من خصالكِ أبحثُ

فلأنتِ في دنيا العقيدةِ زورقُ

(أرقية. يا نونَ نسوةِ) عزةٍ

تبقينَ للأجيالِ رمزاً يَشرقُ

ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم

و«إنّا لله وإنّا إليه راجعون».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد