: آخر تحديث

«نوبل للسلام» ترتجف

4
3
4

لا غرابةَ في أن يحصلَ دونالد ترمب على جائزة «نوبل» للسلام، في سياق العجائب الدولية. إن كانَ الاحتمال ضئيلاً هذا العام، فالمناسبات آتية والمفاجآت متوقعة.

نوبل ليست منزّهة عن الضغوط والحسابات السياسية، وإن أنكرت ذلك، ومقاييسها للسلام قد لا تتواءم مع فهم آخرين. أعطيت الجائزة لهنري كيسنجر باعتباره شارك في مفاوضات حرب فيتنام، وكأنَّما خلالها كفّر عن ذنوبه، والتوحش الأميركي الذي كان شريكاً فيه وقتل مليوني فيتنامي، وخلّف ثلاثة ملايين معاق ولم يرحم شجراً ولا بشراً. نالها، رغم اعتراض عضوين من لجنة التحكيم واستقالتهما، والاستهجان الكبير لأنَّ الحرب كانت تنتقل حينها إلى الجوار الكمبودي. شبّه أحد النقاد نوبل كيسنجر، بمنح تاجر مخدراتٍ جائزة نوبل في الطب.

باراك أوباما أعطيت له بعد أشهر فقط من تنصيبه، ولم يكن قد حقق غير الخطابات الرنانة. وهو أكثر من يزعج ترمب الذي يقول عنه إنه «جلس هناك عشر ثوانٍ وأخذها»، وهو على حق.

أكثر غرابة فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على اعتبار أنَّه سوّى نزاعاته الحدودية مع إريتريا. ندوب كثيرة شابت مسار الجائزة التي لقّب مؤسسها الفريد نوبل بـ«تاجر الموت» لسوء سمعته حيّاً، فأوجدها ليخفف من اللعنات التي ستلحق به ميتاً.

لماذا نستغرب ما دام هتلر نفسه تم ترشيحه لنوبل للسلام، عام 1939، من قبل نائب سويدي، قال بعدها، وقد علا ضجيج الاحتجاج، إنها كانت مزحة وسحبها. لكن ستالين أيضاً وجد من يرشحه لمرتين، ومثله رشّح موسوليني في العام الذي غزا فيه إثيوبيا.

مقربون من دونالد ترمب يقولون إنه مسكون بهاجس الحصول على نوبل للسلام، وقد يفعل أي شيء من أجلها. فمنذ ولايته الأولى يسعى، ومعه مناصرون، لجعل الحلم حقيقة. لكن هذا الإلحاح العلني المتواصل، أحد أسباب حرج لجنة الجائزة، التي تود ألا تظهر خاضعةً ومنقادة.

في النرويج يرتجفون رعباً. وفي الأكاديمية رغبة في اختيار فائز بارز لا نقاش في مصداقيته ومكانته، لدرء الاعتراضات. وتنصح نينا غرايغر، مديرة معهد أوسلو لأبحاث السلام، سياسيي بلادها ودبلوماسييها، بأن يبذلوا جهوداً ليشرحوا لترمب أن الحكومة النرويجية لا سلطة لها على اللجنة؛ لاتقاء ردوده الانتقامية، وتُحذّر من أن المهمة لن تكون سهلة. استنفار حقيقي في أوسلو لمقاومة اتصالات ومحاولات مؤيدي ترشيح ترمب. بعضهم مسؤولون كبار يريدون إظهار محبّتهم وربما تملّقهم لزعيم العالم. هؤلاء كثر ولا داعي لذكرهم، ويمكنكم مشاهدة هذا عندما التقوه مؤخراً في البيت الأبيض. وبالطبع نتنياهو الذي سلمه الأوراق الرسمية يداً بيد، عربون محبة ووفاء.

ترمب هو «صانع سلام» كما يردد دائماً، ولو كان في الحكم لما كانت حرب أوكرانيا، ولا هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ولا إبادة. أمَا وأنَّ كل هذا قد حصل، بسبب غيابه، فقد وضع نفسه في اتفاقية غزة المطروحة لإنهاء الحرب، رئيساً لـ«مجلس السلام» الدولي. حين تكون الكلمات مفرّغة من معانيها، يصبح كل شيء ممكناً. يتحدث ترمب عن أنه فعل ما لم يحدث أبداً. حلّ سبعة نزاعات في سبعة أشهر.

نتنياهو يعدّ أن صديقه ترمب «يصنع السلام في منطقة تلو الأخرى»؛ إذ يدّعي الرئيس الأميركي أنه أنهى سبع حروب منذ عودته إلى منصبه في يناير (كانون الثاني) 2025، وعدم منحه جائزة نوبل للسلام بعد هذه الإنجازات «إهانة كبيرة» للولايات المتحدة. فهو أنهى حرب مصر وإثيوبيا، التي لم تقع فعلياً، وباكستان والهند، وهو ما تنفيه الثانية، وكذلك نزاع الكونغو ورواندا لا يزال مستمراً مع انتهاك إطلاق النار، وإسرائيل وإيران، حيث التهديد بعودة الحرب قائم، والتوتر مستمر بين أرمينيا وأذربيجان كما بين كوسوفو وصربيا. أمَّا الحرب الكبرى التي راهن على حلها ترمب بين روسيا وأوكرانيا فتزداد سوءاً. ولم يبق أمامه سوى أسوأ مقتلة عرفها العصر الحديث، ولم يعد من خلاف على أنها إبادة جماعية لشعب، وأميركا هي الجهة المسلحة والممولة والحامية، وستصبح الحكم. فماذا ستفعل جائزة نوبل للسلام؟ وترمب بحسب عارفيه «لا يريد أي شيء أكثر من رغبته بالفوز بهذه الجائزة المرموقة»، ويرى أنَّ ثمة مؤشرات مهمة على أنَّه مرشح جدير بها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد