: آخر تحديث

مفهوم الحرية

5
4
4

عبد الله سليمان الطليان

هي كلمة تحمل معاني وتفسيرات مختلفة في حياة كل الشعوب متأثرة بالثقافة والبيئة التي يعيشون فيها، ومنذ القدم كانت مثار نقاش وحوار وجدال عند الفلاسفة والمفكرين وأثرها على مستوى فردي أو جماعي إلى عصرنا الحاضر.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الحرية التي يطمح إليها أو ينشدها الفرد؟

الإجابة تعتمد على الفرد في جوانب حياته الفكرية والمادية على حد سوء التي يبحث فيها ما يشبع روحه وجسده على نحو مطلق أو مقيد، والبيئة والثقافة هي التي تحدد ذلك كما ذكرنا سابقا، ويمكن أن يطغى جانب على آخر، وقد تكون هذه الحرية في دائرة ضيقه أحياناً للفرد وبحسب نمط عيشه، وهذا كان واضحا في المجتمعات القليلة العدد البدائية ذات ثقافة رعوية وريفية و زراعية، ولكن مع تزايد أعداد المجتمعات، وتطور التقدم العلمي الذي زادت معه وتيرة البحث عن الحرية وخاصة في المجتمعات الغربية التي كانت تعيش صراعا دينيا وفكريا ودينيا امتد عدة قرون.

قد لا يهمنا هنا الحديث عن الحرية المفرطة التي تعيشها المجتمعات الغربية والتي لها افرازات وتداعيات مدمرة للفرد في الاخلاق والفكر وكذلك في السياسة والاقتصاد هي معضلة متأزمة في واقع المجتمعات الغربية الآن، ولكن سوف أسلط الضوء على الحرية عند من أعطى في رأيه التوضيح عن (مفهوم الحرية) وهو عالم النفس والناقد الاجتماعي الأمريكي (أريك فروم) في كتابة (الخوف من الحرية)..

يقول إنه لا سبيل لفهم الفرد دون أخذ سياقه الاجتماعي في الاعتبار، كما أنه لا سبيل للإمساك بناصية العملية الاجتماعية دون معرفة بالعمليات النفسانية التي تجرى داخل الفرد. كان (المجتمع قبل الفردي) يمنح أعضاءه حساً بالطمأنينة والانتماء، ولكنه يحد من حريتهم ومن قدرتهم على النمو.

ومنذ انهيار مجتمع العصور الوسطى الإقطاعي تحرر الإنسان من أغلاله التقليدية، ولكنه لم يحصل على الحرية بالمعنى الإيجابي حرية تحقيق ذاته المفردة. لقد حقق التطور التاريخي للوعي بالفردية منجزات كثيرة، ولكن مازال على الفرد في يومنا هذا أن يولد في ذاته شجاعة داخلية لتنشيط قواه الباطنة وإمكاناته الكامنة بأكملها، وإلا فهو يهدد بالفرار من حريته إلى أشكال جديدة من الاعتماد على مصدر خارجي، والقضاء على القيود الخارجية لا يكفي لتحقيق الحرية الإيجابية للإنسان، إن التحرر منها قد يكون شرطاً مسبقا لا غنى عنه، ولكن التحرر نحو لازم لاكتمال نمو الإنسان، هناك اتجاهات نفسية توجد داخل الأفراد في كل مجتمع.

وما لم يتعرف الإنسان على مصادر هذه الاتجاهات ويحولها عن مسارها الضار - أى ما لم يتقبل الإنسان حريته ويستخدمها على نحو إيجابي - فستظل الإنسانية تبتلى بأشكال مختلفة من الفكر التسلطى المميت. ولا تكمن المشكلة - كما ظن فرويد خطاً - في إرضاء الحاجات الفردية في حد ذاتها، وإنماهي كامنة - بالأحرى - في الطريقة التي ينشئ بها الفرد صلاته مع العالم.

إن ميول الإنسان ليست ثابتة من خلال دوافعه البيولوجية وإنما نتيجة لمحاولات اجتماعية - بعضها قمعي والبعض الآخر خلاق. إن المجتمع يصوغ الإنسان ولكن الإنسان بدوره يصوغ العملية الاجتماعية.

أخيرا يبقى في ديننا قول الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} التي هي تحدد هذه الحرية بالنسبة للمسلم .


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد