خالد بن حمد المالك
مع عدم إغفال جوانب إيجابية كثيرة في خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء القتال في قطاع غزة، وأنها لامست في بعضها الجرح الإنساني المثخن، وإن جاء ذلك بعد عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى، وإن تأخر حتى أصبحت غزة غير قابلة للحياة بفعل حرب الإبادة التي مارستها إسرائيل ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة.
* *
أقول عن خطة ترامب التي ولدت منقحة ومعدلة بما جعلها تستجيب لقبول وترحيب إسرائيل بها، بعد مباحثات مطولة بين الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء إسرائيل، بإبقاء الخطوط الحمراء الستة خارج الخطة التي هدد وزير المالية الإسرائيلي إن تم تجاوزها في أي اتفاق، أقول عن هذه الخطة بأنها تُعطي لإسرائيل حق التمرد عليها في أي وقت من خلال الفجوات فيها.
* *
الاتفاق لا يتضمن إقامة دولة فلسطينية، ولا عدم ضم الضفة الغربية، ولا الأخذ بمسار الدولتين، ولا يتحدث عن اعتراف 158 دولة بالدولة الفلسطينية والاصطفاف معها، مع أن جوهر الصراع التاريخي مصدره احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ومنعها قيام دولة للفلسطينيين، وهذا يعني أن مبادرة الرئيس ترامب لا تستجيب ولا تلامس إيجاد حل للمشكلة.
* *
والملاحظات على الخطة جعلها مُلزمة دون إعطاء الجانب الفلسطيني الحق في أي تعديل أو إضافة عليها، مثلما أخذ برأي الجانب الإسرائيلي، وسُمح له بالمساهمة بصياغتها بما يلبي طلبه، وبما جعلها مفرّغة من كثير من المحتوى الذي كان يتم تداوله من تسريبات عنها قبل اجتماع ترامب بنتياهو، وهو ما سوف يجعلها عُرضة لانقلاب إسرائيل عليها، كما كانت تفعل في مبادرات واتفاقات سابقة.
* *
يهدد الرئيس الأمريكي بأنه سوف يُعطي الضوء الأخضر لمواصلة العمل العسكري الإسرائيلي ما لم توافق حماس على المقترح، ولكنه لا يقول مثل ذلك عن الجانب الإسرائيلي فيما لو لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه، ولا يُعطي حماس فرصة لإبداء الرأي كطرف في هذا القتال.
* *
هناك تفاصيل كثيرة لتطبيق هذه الخطة غابت، وكان يُفترض أن تكون حاضرة، لكن الرئيس الأمريكي مع رئيس وزراء إسرائيل انشغلا بالتركيز على إطلاق الأحياء والجثامين الإسرائيلية لدى حماس خلال 72 ساعة عن قضايا ملحة أخرى، وأهمها أن ينسحب الجيش الإسرائيلي كاملاً وليس على فترات متى تم إطلاق الرهائن، ووافقت حماس على تسليم السلاح.
* *
إن أهم ما يُميز خطة ترامب أنها انتزعت من إسرائيل موافقة لوقف حرب الإبادة، والسماح بعدم قتل الفلسطينيين باستخدام التجويع، وصرف النظر عن تهجير الفلسطينيين، واحتلال غزة لها، والسماح بدخول المواد الغذائية بإشراف الأمم المتحدة، لكنها وضعت القطاع تحت الوصاية الدولية برئاسة الرئيس ترامب نفسه، ومساعدة رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير الذي تحوم حوله الشبهات.
* *
بموجب خطة ترامب ستعمل أمريكا مع شركاء عرب ودوليين على إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة للانتشار الفوري في غزة، وسوف تقوم هذه القوة بتدريب ودعم قوات الشرطة الفلسطينية المعتمدة في غزة، وتشارك مع مصر والأردن في هذا المجال، وتنص الخطة على أن هذه القوة ستكون الحل الأمني الداخلي الدائم، وبذلك فإن السلطة الفلسطينية ستكون خارج الحسابات في ذلك.
* *
وهناك حكومة انتقالية سوف يكون لها الحكم في غزة إلى حين إكمال السلطة الفلسطينية لبرنامجها الإصلاحي، وتتمكن من استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعّال، ولكن دون وجود جدول زمني لهذا الانتقال للسلطة الفلسطينية، مع أن نتنياهو صرح بعد الإعلان عن الخطة بأنه لن يقبل بإدارة السلطة الفلسطينية لغزة في المستقبل، وأن غزة ستكون بإدارة سلمية لا تديرها لا حماس ولا السلطة الفلسطينية.
* *
ومع إشارات أمريكية نحو تقرير المصير للفلسطينيين، وهو ما قد يُفهم على أنه موافقة ضمنية على قيام دولة فلسطينية متى تهيأت الظروف وفق حوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن خطة ترامب لا تصرح بذلك، ولا تشير إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فضلاً عن أن رئيس وزراء إسرائيل لم يتردد في القول قبل مغادرته واشنطن بأن إسرائيل لن تسمح بدولة فلسطينية مهما كانت الأسباب.
* *
خطة ترامب تشمل نزع سلاح حماس، وتدمير بناها العسكرية، وإذا ما رفضت حماس، فإن ترامب ملتزم لنتنياهو بالحصول على دعمه الكامل للقيام بما يجب، وفي تصريح للرئيس الأمريكي عن تفاصيل تشكيل هيئة دولية إشرافية جديدة على قطاع غزة باسم مجلس السلام برئاسته، وقال إنها ستكون مسؤولة عن تشكيل حكومة في غزة، وأن الإسرائيليين كانوا كرماء في تخليهم عن قطاع غزة، وأن نتنياهو يعارض بشدة قيام دولة فلسطينية، وأنه يتفهم ذلك.
* *
الشراكة مع أمريكا مطلوبة، والمبادرة الأمريكية على ما فيها من هنات وملاحظات أفضل من استمرار الحرب، وقتل الأبرياء، لكن ما هو مطلوب من الرئيس الأمريكي بالإضافة إلى منع التهجير، وإعادة الإعمار، وإنهاء الحرب، وإيصال المساعدات، وإطلاق سراح الرهائن في الجانبين، أن يؤكد على عدم ضم الضفة الغربية، وتوحيد الضفة مع القطاع في دولة فلسطينية، تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية، وحينئذٍ سيكون ترامب رجل السلام، المستحق لجائزة نوبل للسلام، دون منافس أو منازع أو مُشكك.
* *
ونتمنى على حركتي حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة القبول بخطة ترامب حتى لا يكون لدى إسرائيل حجة ومبرر في استمرار جيشها في مواصلة حرب الإبادة. ولأنه لا يوجد ما هو أفضل من هذا العرض.