: آخر تحديث

تشجيع رياضي مُنفلت

3
2
3

علي الخزيم

ظهر رجل كَهْل مُسِن بشريط مرئي وهو يقوم بدور تمثيلي مِن أفكاره يمتدح به الفريق الكروي لناديه المفضل، ولا بأس بإشهار الانتماء والتصريح بالميول، غير أن المشهد تضمن حركات وألفاظًا ليست بالمنكرة إلَّا أنها لا تليق بأي رجل في سنه لما يُفترض أن يكون عليه مِن الرزانة ورصانة الفكر وانضباط طريقة التشجيع، فإن تَقَبَّل بعضهم طريقته: فماذا يُقال عن صغار السِّن من الجمهور الرياضي إن هم تجاوزوا حَدَّهم في الحركات والألفاظ الخارجة عن المألوف ومِمَّا يَمُجُّه الذوق العام؟ فلا هو معذور ولا هم مُجازون على ما يفعلون.

إن كان ذاك الكهل قد دفعه حماسه الزائد لناديه بحالة لم تكن معتادة منه؛ فلعله يستدرك أمره حين يتفهّم ردود الفعل من المعلقين على بثه بوسائل التواصل الاجتماعي ويستوعب الدرس، لكن ليس من المقبول تكرار ظهور متحدثين عبر البرامج الرياضية يمارسون غوغائية متصاعدة من المبالغات التي يوصف بعضها بالكذب والتدليس لتأكيد فكرة مزعومة ومحاولة إقناع المُتلقّين بها؛ وبحماس (شاطح) يتجاوز الخطوط المباحة والمتعارف عليها بالطرح الإعلامي والرياضي؛ وكلما ظن المشاهد أن ذاك المشجع الأفاق سيعود لرشده يجده لاحقًا قد زاد من اندفاعه غير العقلاني.

هل يلام أي مُنفلت بالتشجيع الأرعن لفريقه إذا كان يجد قناة فضائية رياضية تدعوه لبرامجها الحوارية لينفث من خلالها هرطقاته وما أعدَّه من زيف القول الباهت ومغالطات الحقائق والأرقام؛ وتعمُّد الصراخ ومقاطعة المحاورين لإخفاء نِيَّاته وما يُكنّه تجاه الفرق المنافسة دون مراعاة لوعي وذوق المشاهد الذي بات يدرك جليًا ما يدور بالوسط الرياضي والثقافي داخليًا وخارجيًا من خلال المتابعات بالوسائط المتاحة التي تُزوده بمعلومات أنقى وأدق مِمَّا يُدلي به المتحيّز لجهة على حساب أخرى، ويكون بذلك قد وصَم القناة والبرنامج بعدم المصداقية والبعد عن الواقع.

يتشدَّق بعض مُقدمي تلك البرامج المتشنجة المرتبكة بأن نهجهم يكون للإثارة وجلب أعلى قَدر من المشاهدات؛ ولكن مَن هي طبقة المشاهدين لبرامجهم؟ هل هم الغوغائيون والمراهقون عمرًا وفكرًا؟ وهل يرى المجادل رافع الصوت خلال البث بأنه عِملاق جَهبَذ أمام صغار السن والسُّذّج من غوغائية المشجعين؟ إن كان كذلك فهو لا يستحق الظهور ولا يصح أن يحمل صفة إعلامي - إن كان لديه ترخيص بذلك - ولا يمكن أن يوصف البرنامج بالواقعي ولن يحقق النجاح المنشود وهو يُمعِن باستقطاب المهرجين المندفعين دون توازن؛ كما أن واقع مثل هذا البرنامج ومُعدِّيه ومقدميه لا يدل على فهم صحيح بقواعد الإثارة واجتذاب المشاهد.

مما يريح عقلاء المشاهدين بروز برامج مُتعقّلة متزنة الطرح متوازنة الميول؛ تعالج الأحداث والأنشطة الرياضية بطرق مدروسة ناضجة مِن الإعداد إلى الإخراج والتقديم السلس الجاذب؛ ولها مقاصد لخدمة الرياضة والثقافة الوطنية؛ وإبراز الجهود الطيبة التي تبذلها القيادة الرشيدة خدمة لشباب الوطن ولتحسين جودة الحياة بالتنوع الرياضي وتتابع الإنجازات والتنافس الشريف مع دول العالم بهذه الميادين؛ وثَمّة سؤال لا يغيب: متى تصحو بعض برامجنا الرياضية الفضائية من غفلتها عن الواقع ليستقيم حالها ولتستحق مُسمَّى يليق بها؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد