: آخر تحديث

الاحتكار يعطل الفرص

5
4
6

يبدد الاحتكار روح السوق ويحول النشاط الاقتصادي إلى حلبة مغلقة يتحكم فيها طرف واحد أو مجموعة محدودة دون وجود بدائل فعلية.. هذا التشوه يعطّل فرص النمو، ويحد من تنوع المنتجات، ويقتل التنافسية التي تُعد محركاً أساسياً لأي اقتصاد متوازن.. وحين يكون السوق مفتوحاً تتعدد الخيارات، وتتنافس الشركات في تحسين الجودة وخفض التكلفة، وتصبح البيئة مهيأة للابتكار.. أما في بيئة محتكرة، فيسود الجمود وتختفي المحفزات، ويضطر المستهلك إلى القبول بما يُعرض عليه دون تردد أو بدائل..

الاحتكار كذلك يصل حتى المعرفة والتقنية والموارد، وهذا ما يجعل أثره عميقاً ومتداخلاً في كل قطاع.. بعض الشركات الكبيرة تسعى لشراء منافسيها لإغلاق الباب أمام ظهور لاعب جديد، أو للسيطرة على كامل سلسلة القيمة في القطاع، من المواد الخام حتى التوزيع.. وتحت غطاء الاستثمار والتوسع، يجري استبعاد المنافسين وتقليص فرص دخول السوق أمام غيرهم، وهنا تكون الحاجة إلى حوكمة تنظيمية تعيد التوازن..

ولذلك، كانت المملكة من أبرز الدول التي حاربت الاحتكار عبر منظومة رقابية تتولى فحص عمليات التركّز الاقتصادي، مثل الاندماجات والاستحواذات، والتأكد من عدم تأثيرها على السوق.. هذا الدور يشمل أيضاً مراقبة الأسواق بشكل مباشر، وتلقي البلاغات المرتبطة بالممارسات الاحتكارية..

وتطبيق هذا التنظيم ترافقه تشريعات حديثة تتيح فرض عقوبات على المخالفين، وتشمل حتى الممارسات التي تُرتكب خارج الحدود حين يكون لها أثر داخلي.. ويتكامل هذا التنظيم مع دراسات نوعية تتابع قطاعات حيوية بدقة، مثل العقار، والأدوية، والسيارات، بهدف تعزيز التوازن وتوسيع الخيارات أمام المستهلك.. فضلاً عن إطلاق مبادرات لمنع تشكل أي تكتل يعيق التنافس.. وهو توجه ضمن أهداف الرؤية، التي تدعم الابتكار، وتحفز السوق، وتوسع القاعدة الاستثمارية لأن السوق المفتوح يصنع بيئة متطورة، تقودها الكفاءة، ويتقاسم فيها الجميع الفرصة..

لذلك يجب أن يعي رجال الأعمال أن قياس قوة مشروعاتهم هي بقدرتها على الإضافة وتحريك الدورة الاقتصادية وليس حجم حصتها فحسب.. الاستدامة الحقيقية تنشأ من بيئة متوازنة، وشراكة واعية تراعي المصلحة، وتفتح المجال أمام المبادرات الجديدة دون إقصاء..

وباعتقادي أن أي توسع لا يراعي التوازن يتحول إلى عبء طويل المدى، وكل محاولة هيمنة تخلق فجوة تؤثر على الثقة والفرص والتنوع.. العقلية الاقتصادية الحديثة تعتمد على الشفافية.. وتقدّر التنافس.. وتدرك أن المكاسب تأتي من تمكين الأفكار واحتضان الحلول.. هذا الفهم هو الذي يصنع أثراً مستداماً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد