سمر المقرن
من أقسى ما يمكن أن يواجهه الإنسان في رحلة حياته أن يرى الشخص الذي كان بالأمس حبيبًا وملاذًا، يتحول فجأة إلى خصمٍ وعدو. هذه المفارقة المؤلمة تتجلى بشكل واضح في حالات الطلاق، حيث تنقلب المودة التي جمعت قلبين إلى معارك كلامية وقانونية، ويُختزل تاريخ طويل من المشاعر إلى أوراق رسمية ومحاضر جلسات.
الحب في جوهره وعد غير مكتوب بالوفاء والرعاية، وعندما ينكسر ذلك الوعد، يصبح الانكسار أكبر من مجرد انفصال جسدي أو مكاني؛ إنه تصدّع في الروح.
كثير من الأزواج الذين كانوا يتبادلون كلمات العشق في الأمس، يعودون اليوم يتبادلون الاتهامات القاسية، وكأنهم لم يعيشوا يومًا تحت سقف واحد، وهنا تبرز المفارقة الإنسانية المؤلمة: كيف يمكن للقلب أن يتحول بهذه السرعة من مأوى إلى ساحة حرب؟
جزء من الإجابة يكمن في طبيعة الإنسان نفسه؛ فالحب يفتح أبواب الروح على مصراعيها، يكشف نقاط الضعف قبل القوة، واللحظة التي ينقلب فيها الحب إلى خلاف، تتحول تلك المعرفة العميقة إلى سلاح. لذلك، في كثير من حالات الطلاق، نرى أن أشد الخصومات تكون بين أناس كانوا يومًا أقرب الأقربين.
لكنّ الخيانة الحقيقية هنا ليست في فشل العلاقة فحسب، بل في تدمير الذكريات. فالطلاق لا يلغي اللحظات الجميلة التي عِيشت، لكن العداوة التي تأتي بعده تمسحها من الذاكرة، وكأنها لم تكن.
وفي هذا ظلم مزدوج: ظلم للحاضر الذي ينهار، وظلم للماضي الذي يُمحى.
من الحكمة أن ندرك أن الانفصال لا يعني العداء. يمكن للإنسان أن يخرج من علاقة زوجية منتهية وهو محتفظ بإنسانيته واحترامه للآخر. أن يطوي صفحةً دون أن يحرق الكتاب كله. فالحياة أقصر من أن تُستنزف في صراعات، وأثمن من أن تُهدر في اجترار الكراهية.
قد لا نملك السيطرة على مصير العلاقات، لكننا نملك حرية الاختيار في كيفية إنهائها. فإذا كان الحب قد بدأ بكرامة وصدق، فلينتهِ بسلام وصمت، لا بخصومة وانتقام؛ لأن ما يبقى في النهاية ليس أوراق الطلاق ولا قاعات المحاكم، بل صورة الإنسان في عيون نفسه وضميره.
فلنترك للذكريات الجميلة حقها في البقاء، وللأيام التي جمعت قلبين حرمتها من التشويه. ولندع الطلاق نهاية طريق، لا بداية حرب!