يخضع حق الوصول إلى هاتف المتوفى، بما في ذلك استخدام بصمة إصبعه أو غيرها من الوسائل البيومترية، لاعتبارات قانونية تتعلق بالخصوصية، تختلف من بلد لآخر، لكن تتفق في أمور مشتركة.
فمن الضروري، قبل فتح الهاتف، وجود شهادة وفاة، وما يثبت حق مقدم الطلب، أقرب أقربائه، أو منفذ وصيته، علماً بأن لدى شركات تصنيع الهواتف وسائل للوصول إلى ما في الهاتف من معلومات، لكنها بحاجة دائماً لأمر قضائي. وترى بعض الدول أن فتح الهاتف، باستخدام بصمة الميت أمر عادي، فلا خصوصية لمن توفّي.
من منطلق ما أصبح يتضمنه «النقال» من أسرار، عُرض على «هيئة الفتوى» في الأوقاف سؤال تعلق بحكم فتح هاتف المتوفى، عن طريق تمكين أهله أو ورثته أخذ بصمة يده أو وجهه، وجواز ذلك، شرعاً، أم يُعتبر ذلك من خصوصيات الميت، التي لا يجوز افشاؤها؟
جاءت فتوى الهيئة بأنه لا يجوز تمكين أهل الميت أو غيرهم من أخذ بصمة يده أو وجهه لفتح هاتفه، لأنه محل خصوصياته، ومظنة لاحتوائه على ما يعيبه، فلا يجوز الاطلاع عليه ستراً له، ورعايةً لحرمته. وإن كانت هناك حاجة لفتح الجهاز فيكون عن طريق القضاء أو الجهة الأمنية المختصة.
* * *
كالعادة، جاءت الفتوى ناقصة فاقدة للدقة والشمولية، علاوة على أنها غير ملزمة أصلاً. فما المقصود بضرورة الحصول على موافقة القضاء، أو السلطات الأمنية؟ وماذا عن إمكانية تأخير دفن الميت، بانتظار الأمر القضائي؟ ومن الذي سيقوم بتنفيذ الموافقة والإشراف عليها، ومراقبة عملية فتح الهاتف، والاطلاع المباشر على محتوياته، مع ما قد يتطلبه ذلك من خبرة إلكترونية، وتجنب احتمال قيام أحد الورثة بمسح أمور في الهاتف ليست في مصلحته، أو بحقوق من تعامل معهم الشخص المتوفى؟ وماذا لو وجدت حسابات أرصدة ضخمة للمتوفى، يمكن إدارتها فوراً، عن طريق النقال، ونقلها لحسابات أخرى، ومع كل ما قد يترتب على ذلك من إضرار بالغير؟ وماذا لو احتوت ذاكرة الهاتف على أمور شخصية، مثل وجود زوجة ثانية وأبناء، فكيف سيتم التعامل معهم؟ ومن يضمن حقهم في الاتصال بهم، مع كل ما يعنيه ذلك من ضرر نفسي ومادي عليهم؟
كما أعطت الفتوى الجهات الأمنية مثل ما أعطته للقضاء من صلاحيات لفتح الهاتف، وهذه خفة لم نكن نتمنى صدورها من جهة فقهية، مع كل الاحترام لرجال الداخلية، وستثار حينها أسئلة أخرى، ومخاطر مختلفة، وحاجة للتحرك وتنظيم مثل هذا الأمر الخطير وعدم تركه لجهة فقهية. وبالتالي نهيب بالمستشار وزير العدل، في سعيه الحالي لتنظيم الأمور العدلية، التكرّم والإيعاز للجهات المعنية إعداد مسودة قانون يغطي هذا الأمر، وإصداره بمرسوم بأسرع وقت، بعد أن أصبحت الحاجة إليه شبه يومية، وسداً لفراغ قانوني خطير، وعدم ترك مثل هذه الأمور من دون تنظيم، فتُفقَد حقوق وتُهدَر خصوصيات، ويتضرَر أبرياء.
أحمد الصراف