مررنا، لقرابة عشرين عاما، بحقبة مؤلمة كان عنوانها التزوير والتبذير والسرقة، وعدم المبالاة حتى بعظائم الأمور، التي لم نتخيل يومها حجمها واخطارها. فقد كان المسؤول يرى مزور الشهادة الدراسية من بين مرؤسيه، ويختار غض النظر، وغيره يرى مزور الجنسية ويسكت عنه، ويسمع الجميع نوابا في مجلس الأمة يزايدون، على بعضهم البعض، في أعدادهم بيننا، لكن لا جهة فاعلة تحركت لتتبين حقيقة تلك الادعاءات، في حينها، ليأتي العهد الحالي ويضع الأمور في نصابها، وبالتالي من الضروري المطالبة بفتح ملفات تلك المرحلة، بما في ذلك ما دفع من أموال وما تم توقيعه من عقود توريد لمختلف وزارات الدولة، والصحة بالذات، خلال فترة كورونا، لنعرف، من جهة، من تسبب في الإضرار بالمال العام، في أوج ضعف أجهزة الرقابة، ولينكشف، من جهة أخرى، من استمرأوا نشر الأكاذيب، والطعن في ذمم الآخرين.
* * *
يتساءل الكثيرون عن سبب التجاهل لغالبية، إن لم يكن لكل، ما يكتب في الصحافة، أو على الأقل عن البطء الواضح في عملية اتخاذ القرارات الإصلاحية، والحقيقة ان هذه من سمات الاجهزة الحكومية البيروقراطية في أية دولة تحترم نفسها، وعكسها يعني سيادة القرار الفردي، بأي ثمن، دون رقابة ولا تفكير في العواقب. وبالتالي المشكلة ليست في البيروقراطية، بحد ذاتها، بل في طريقة عملها، ورفض تطويرها، ليبقى القرار بيد «المسؤول»، من خلال رفض الميكنة وما يعنيه ذلك من جعل المعاملات تتم إلكترونيا، من دون أوراق ولا أختام ولا تواقيع.
ففي شركة كنت أديرها، دفعنا مبلغا كبيرا لشراء برنامج Software لتحويل كل المعاملات الداخلية، وهي بعشرات الآلاف، لنظام خال من الورق، وهذا ما أصبحنا نتلمسه مؤخرا في برنامج سهل، الذي يسر كثيرا من معاناة الشركات والمواطن والمقيم، في تعاملهم مع مختلف الأجهزة الحكومية، فقد تلقيت خلال الأسبوع الماضي فقط قرابة عشر رسائل نصية، تعلقت اثنتان بقضايا في المحكمة، واثنتان بصدور وكالات عامة لصالحي، من أبنائي لصالحي، وإشعار تعلق بسفر عامل منزلي، والبقية عن نتائج فحوصات طبية ونتائج فحص الدم، وهذه أمور كانت جميعها تتطلب أياما، أو أسابيع، من الانتظار والمراجعات الشخصية، للحصول عليها.
لكن مع هذا تبقى نسبة كبيرة من المعاملات الحكومية بحاجة للتطوير، فأسلوب «كتابنا وكتابكم»، لا يزال ساريا. فعلى سبيل المثال صدر قرار من مجلس الخدمة المدنية في شهر أبريل 2025 موجه لكل الجهات الحكومية والقطاع الخاص، يطلبون فيه تزويدهم بصور عن كل المؤهلات الدراسية للعاملين لديهم، لما فوق الشهادة الثانوية، من سنة 2000 وحتى تاريخه، وتسليم المطلوب في نهاية أغسطس 2025! وكان مضحكا، بل مبكيا ملاحظة أن عددا من الوزارات، خاصة الكبيرة منها، استغرق أمر تلقيها كتاب الديوان وتعميمه على مختلف دوائر الوزارة أكثر من ثلاثة اشهر، ولم يتبق لها غير ثلاثة أسابيع، لا تكفي حتما لجمع بيانات الشهادات وتصويرها، فهذا بحاجة لبضعة اشهر، وليس لأيام، وفق المهلة المتبقية! لكن، مع هذا، يبقى طلب تدقيق الشهادات، مع بطء التعامل معه، خطوة مستحقة، وأمراً بالغ الأهمية، وإلى مقال الغد.
أحمد الصراف