أحمد الفهيد
كتب رئيس الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ مرة: «أقوالك إذا لم تقرنها بالأفعال فلا قيمة لها». وهي نصيحة صريحة لعمالقة التأجيل، النائمين في حضن الكسل، أبطال الأعذار المكررة، والحجج المخجلة.
كتبها الرجل الذي لم يقل يومًا: «حاولت ولم أستطع»؛ لأنه ببساطة محارب شرس، لا يهرب ولا يستسلم، لذلك هو ينتصر دائمًا. يخوض المعركة كمسؤول أمين، وكمواطن قوي، وكرجل مخلص للقيادة التي آمنت به وائتمنته، ومنحته ثقتها الكاملة. حمل الأمانة على كتفيه، وتحمّل مسؤولية حفظها، وخاض من أجلها حروبًا عدة داخل السعودية وخارجها، وكان صوتًا لبلاده، وسوطًا على ظهور أعدائها، والحاقدين عليها، والراغبين أن تبقى في طورها القديم، الكارهين لـ«رؤيتها»، ولرؤيتها وهي تمضي إلى المستقبل بكامل أُبَّهتها وبهائها.
يدرك يقينًا أن الفوز لا يُمنح، وإنما يُنزع من أيدي الهزيمة، وأن الحلم والأمل بلا عمل، والوعد بلا إنجاز، والمواعيد بلا تاريخ ووقت، ليست إلا أوهامًا تذروها الريح، ويذُرَّها الكذب في عيون الناظرين المنتظرين.
هذه الشجاعة الراسخة، التي تستمد قوتها، وإقدامها، وأقدامها، وتقدّمها من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، صانع التغيير، وصائغ الأثر والتأثير، الحياة التي دبّت في السعودية، والروح التي يحيا بها السعوديون، حبيبنا، ونصيبنا من العِز والعزّة في العالم كله، هي ما شكّلت شخصية تركي آل الشيخ، وجعلته يفتح أبوابًا، دون أن يطرقها، أبواب لم يجرؤ غيره على الاقتراب منها حتى هذا «القلب الشجاع» كان يعرف أن هناك من سيحاولون إطفاء النور، لكنه كان يعلم أيضًا أنه «كلما ازداد الظلام، اقترب الفجر»، فقرر أن يذهب إلى «الفجر» لا أن ينتظره ليأتي، حتى تنقشع سريعًا عتمة المُعرقلين، القابعين في الدرك الأسفل من الرفض، أبطال الكلام الفارغ.
كانت بوصلته تتجه دائمًا نحو تنفيذ أوامر قادته، وأداء واجباته الوطنية، دون توقف أو استرخاء، فهو لا يكتفي بأن يكون حاضرًا في المشهد فقط، بل يصنع المشهد نفسه، ويمنحه ألوانه وضوءه وإيقاعه ووقعه.
لا يؤمن بأن التغيير صدفة، بل فعل مدروس، وإصرار لا يلتقط أنفاسه أبدًا حتى يصل، يقول الأديب والفيلسوف الألماني يوهان غوته: «لا يكفي أن نعرف، بل يجب أن نطبّق، ولا يكفي أن نريد، بل يجب أن نفعل»، و«أبو ناصر» يعرف، ويريد، ويطبّق، ويفعل. ويتفاعل، حتى تشعر أن كل ما قيل عن المستحيل لم يكن إلا كذبة اخترعها المتقاعسون، أساتذة «تأجيل عمل اليوم إلى الغد». يعمل وكأن كل يوم هو فرصته الأخيرة في خدمة بلاده، إنه ليس مجرد اسم في قائمة صانعي النجاح، بل هو من الذين يكتبون هذه القائمة، ويوقعونها باسم الوطن.
خطوة واحدة إلى الوراء، واحدة فقط، وسترى كيف أنجز تركي آل الشيخ المهمة «الصعبة» التي أوكلت إليه مسؤولية إتمامها، أن يجعل من المملكة العربية السعودية مسرحًا دوليًا للملاكمة والمصارعة، وأن يعيد تصدير هاتين اللعبتين إلى العالم بنكهةٍ سعودية أصيلة.
المسؤول السعودي، الذي أضاء النزالات بحضوره الواثق المهِيب، مرتديًا زيّه السعودي «ثوباً أبيض ناصعاً لونه، يسر السعوديين»، كان حضوره بتلك الهيئة والهيبة إعلانًا صريحًا عن سيادة المملكة على صناعة هذه الرياضة العالمية. كان يمضي في توقيع الاتفاقيات الكبرى، ويشرف على أضخم النزالات التي سرقت عقول مجانين الحلبات، وجماهير معاركها الدامية، فيما ينسدل «شماغه» على رأسه وكتفيه كراية نصر، وفي قلبه تخفق راية التوحيد الخضراء بفخرٍ لا يضاهى.
إنه يقوم بذلك متعمّدًا، ليقدّم إعلانًا صارخًا بأن «مملكتنا العظمى» تقود هذه الصناعة بزيّها وتقاليدها وبثقافتها وتاريخها.
وهكذا، لم تعد الملاكمة ولا المصارعة حكرًا على لندن، أو لاس فيغاس ونيويورك، بل صارت الرياض هي العنوان الأشد لمعانًا وسط أضواء العالم.
صار المقاتلون العالميون يتباهون بأن تنقش أسماؤهم على حلبات سعودية، وصارت الشركات الراعية تتسابق لحجز موطئ قدم في مهرجانات الملاكمة التي تُصنع في أرض الحرمين الشريفين.
لقد أصر معاليه في كل حدث عالمي من نزالات الملاكمة الكبرى إلى مهرجانات WWE الصدمة أن لا تكون «بلادنا» ممولًا أو مضيفًا فقط، بل صانع قرار، وشريكًا أصيلًا في محتوى اللعبة وطريقة تقديمها. وهكذا، صار كل قفاز يُرفع، وكل حزام يُقلّد في المملكة شاهدًا على سيادتها الجديدة لهذه الرياضات.
ومن يرصد الأحداث يعرف تمامًا أن تركي آل الشيخ لا يجلس في مكتبه يقرأ فرِحًا ما كتبته وسائل الإعلام عن إنجازاته، بل يتصدّر الحلبات بنفسه، يوقع العقود، يرحّب بالجماهير، يتفقد التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة.
وفي كل منصب جلس معالي المستشار على كرسي القرار فيه، وفي كل مهمة تولى أمرها (توفَّق وتفوَّق فيها)، وقدّمها بشكل مبهر.
كان لديه قدرة فائقة على صناعة المشهد، ورفع مستوى الاهتمام به، وزيادة مساحة التفاعل معه، وتوسيع دائرة انتشاره. كان عبقريًا جدًا في بث الروح داخل كل فكرة، وبارعًا في تحويلها إلى حدث عاطفي، يتحمّس له الناس، ويتابعون أخباره، ويشاركون فيه، ويدافعون عنه.
تزيد المهام، وتتسع دائرة المسؤوليات، وتبلغ التحديات ذروتها، لكن «أبو ناصر» يتفوق عليها كلها، لأنه: «مثل الجبل ثابت، ولا هزّته ريح»، يهزم المستحيل ويختصر الوقت. ويحقق الإنجاز، هوايته الإبهار، ومهمته المقدسة خدمة المملكة العربية السعودية، لذلك ألد أعدائه، وأشد الناس حقدًا عليه، وكرهًا له، هم العابثون في الظل، الذين يحركهم الحسد، المنفقون على الوهم ظنًّا منهم أن الريح تقتلع الجبال. يحاربون رجلًا وهب روحه لمليكه ووطنه، وحمل حبهما في قلبه، حتى صار قويًا بهما، ولهما.
هو قصة سعودية كبيرة ستروى يومًا، ليتيقّن العالم أكثر كم هي عظيمة السعودية، بقادتها ورجالها.. وبأبنائها.