: آخر تحديث

لماذا يرعبنا الملل؟

5
4
4

في لحظة فراغ قصيرة، كأن تنتظر دورك في عيادة أو تقف في طابور، من الطبيعي أن تمتد يدك مباشرة إلى هاتفك المحمول. أصبح من النادر أن نسمح لأنفسنا بأن نشعر بالملل، وكأن الشعور بالملل بات تهمة يجب الهروب منها بأسرع ما يمكن. في المقابل، نحن نغرق في تيار لا ينتهي من المحتوى والترفيه السريع، دون أن نمنح عقولنا لحظات سكون حقيقية.هل الملل بهذا السوء؟ ولماذا نحاول الهروب منه باستمرار؟ وفقاً لدراسة نشرتها مجلة «أكاديمية الاكتشافات الإدارية»، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين شعروا بالملل خلال مهمة معينة، ثم انتقلوا إلى أداء مهمة إبداعية، قدموا أفكاراً أكثر تنوعاً وابتكاراً، مقارنة بمن لم يمروا بحالة ملل مسبقة. الباحثون فسروا ذلك بأن الملل يدفع الإنسان للبحث عن معنى أو نشاط مختلف، ما يفتح أبواباً ذهنية غير تقليدية ويحفز التفكير الإبداعي.الملل، ببساطة، إعلان من العقل أن ما يحدث لا يحفزه بشكل كاف، لكنه ليس دائماً دعوة للهروب، بل أحياناً دعوة للعودة إلى الداخل. حين نشعر بالملل، يتم إجبارنا على مواجهة أنفسنا، على طرح الأسئلة التي قد نؤجلها طويلاً والأمور التي نقوم بتسويفها داخل عقولنا، وعلى ملاحظة تفاصيل صغيرة مهملة. الملل قد يكون لحظة صامتة تعيد ترتيب الداخل بعد ازدحام الخارج.ومع ذلك، تعودنا مع الوقت أن نملأ كل لحظة فارغة بأي شيء متاح. لا نطيق الجلوس دون فعل، ولا نحتمل التحديق في السقف أو التأمل في الشارع أو الاستماع لأفكارنا الخاصة. نرتبط بفكرة أن الإنتاجية تعني الامتلاء الدائم، وأن الراحة تعني الإلهاء، وأن السكون هو مضيعة وقت.لكن الواقع يقول العكس: العقول الأكثر إبداعاً لا تعمل باستمرار، بل تتوقف أحياناً، تتأمل، ثم تعود للعمل بزخم جديد. والفكرة العميقة كثيراً ما تولد في لحظة خالية من الضجيج، لا في فورة انشغال دائم.الملل ليس عدواً، هو أداة قديمة أهملناها في زحام التكنولوجيا، لكنها لا تزال تملك قوتها. حين نمنح أنفسنا لحظة فراغ دون مقاومة، قد نفاجأ بأن العقل بدأ يفكر بطريقة مختلفة، بأن الإبداع يطل من زاوية غير متوقعة، أو بأننا ببساطة نحتاج إلى هذا الفراغ لنفهم أنفسنا أكثر.ربما لا نحتاج إلى ملء كل لحظة. ربما نحتاج فقط الى أن نسمح للفراغ بأن يكون حاضراً، دون ذنب، دون استعجال، ودون خوف. www.shaimaalmarzooqi.com


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد