: آخر تحديث

مفهوم الدولة... وسجالات نزع السلاح

7
5
5

عبّرت الجلسة النيابية الأخيرة في لبنان المخصصة لدرس «أداء الحكومة» عن وعورة التضاريس في دروب استعادة الدولة وهيمنتها.

السجالاتُ والنقائض والانشقاقات بين الأحزاب تعني أن ثمة انسداداً مفهومياً حول «نظرية الدولة»، وإرادة بسط السيادة في لبنان؛ وهنا لا أتحدّث عن تفاصيل اللبنانيين ومشكلاتهم، فأهل مكة أدرى بشعابها، وإنَّما أتخذ هذه الجلسة وصراعات النواب مدخلاً لمحاولة فهم إمكانية وجود إقليمٍ من دون سلاحٍ بيد فصيلٍ خارج إطار الدولة.

ثمة نظريات عديدة في لبنان حول طريقة نزع السلاح. البعض يريد التدرج، والآخر يريد الإٍسراع. لاحقاً أقحمت اشتقاقات اللغة... هل هو «نزع» للسلاح أم «تسليم» له؟

السجال الآخر هل هذه مهمة الجيش، أم مهمة الدولة عن طريق القوة، أم عبر الحوار؟!

سمير جعجع يريد نزع السلاح منتقداً فكرة الوزير غسان سلامة التي بوّب فيها فكرته حول السلاح بناءً على أساس فهم تركيبة لبنان المعقّدة، بينما وليد جنبلاط يتمسّك بطاولة الحوار كالمعتاد.

من البدهيات في مفهوم الدولة أن السلاح حقّ محتكرٌ لها. ماكس فيبر ميّز بين العنف المشروع ونقيضه غير المشروع.

استخدام الدولة للسلاح من صالح السكان، كما يقول، وهو سلاح الدولة له شرعية قانونية لحماية كل فردٍ أو جماعة، وهذا الاحتكار للعنف من أهم المفاهيم التي أسست لمفهوم الدولة بالمعنى الحديث.

ليس من حقّ كل شخصٍ أن يحمل سلاحاً لأن ثمة من ينوب عنه عن ذلك، وهو الشرطي، وثمة من يحمي أرضك، وهو الجيش، هذا هو أساس التقدّم لجعل المجال العام مضبوطاً من أي انفلاتٍ أو تشويش.

إنَّ نزع السلاح غير المشروع من العموم في المجتمع يعني تفوّق الدولة في حراسة السكان، وفتح كل مجالات الرفاهية في المجال العام كما في كل دول العالم التي أسست دولها على مبادئ مؤسسيةٍ راسخة.

يشرح ذلك الأستاذ رضوان السيد في كتابةٍ له حول «الدولة والشرعية والعنف»، يقول: «منذ التسعينات من القرن الماضي، ذهب مفكرون استراتيجيون إلى أنّ قياس ماكس فيبر (1864-1920) لشرعية الدولة بأنَّها التي يكون من حقها احتكار العنف لم يعد صحيحاً. لأنّ قوى أخرى داخل الدولة صارت تمارس العنف ضد السلطات القائمة أو في حضورها من دون أن تكون تلك السلطات قادرةً على المعالجة أو الإخماد! وقد تفرع على ذلك بحثٌ آخر هو إعادة قراءة أنماط الشرعية باتجاه النقد أو التوسيع».

من أفكار قيام الدولة أنها تمنع العنف، ويضيف رضوان السيد: «تقوم الفكرة الغربية السائدة للدولة (على) أنها لمنع العنف، وتحسين حياة الناس، بحيث لا يلجأون للعنف. وصحيح أنّ بعض الدول ما حسّنت عيش الناس، لكنّ الميليشيات ما حسّنت حياة الناس أيضاً، أو فكّرت في ذلك! وقد كان المعتقد أن الناس يخافون من عنف الدولة، لكنّ السائد لدى العرب منذ أعوامٍ وأعوام: الخوف على الدولة من الفوضى ومن الميليشيات. فالمطلوب الدولة والدولة من دون شروط».

الخلاصة؛ أن مطلب نزع السلاح تم تمطيطه في الأوساط اللبنانية بحججٍ عديدةٍ بل وواهية، وهذا ليس من صالح الناس. إن فكرة بسط سيادة الدولة تعني بالضرورة نزع السلاح وهذه من البديهيات. للأسف فإنَّ المصالح والصراعات تطغى، وآية ذلك أن المجال السجالي حول فكرة بسط السيادة ونزع السلاح لم تبوّب بطريقةٍ جادةٍ وحازمةٍ، وأن الأفكار المطروحة عن إعادة قوة الدولة وإعادة الإعمار وصيغ السلام لا تزال هزيلة بل وكسولة... وقد قالها المبعوث الأميركي توم برّاك للزعماء اللبنانيين «هذه هي الأفكار التي لديّ»، سأله أحدهم وإن لم نستطع تنفيذها؟! أجاب: «أديروا شؤونكم بأنفسكم، الدول لديها ما يشغلها».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد