أحمد برقاوي
لا يزال التأمل في الركود العربي، يأخذ وقتاً كبيراً من تفكير الذين كلفوا أنفسهم بهذه المهمة.. وسبب ذلك أن الأسئلة المطروحة لفهم التاريخ، لم تكن من الدقة التي من شأنها أن تنجب أجوبة عقلية، أو فهماً أدق لواقع الحال.
وتزداد سذاجة هذا السؤال بسذاجة الجواب، لأن الجواب ينطوي على إرادوية لا يمكن أن تنجب واقعة أوروبياً في عالمنا آنذاك، فكيف لإرادة أن تعيد عصر النهضة الأوروبية والانتصار على الكنيسة ولاهوتها الحاكم، وتعيد نشوء البرجوازية وثوراتها، وتعيد الليبرالية التي أسست للانتقال إلى الديمقراطية.
كما أن البحث في أرشيف فلاسفة العرب والمسلمين في العصر الوسيط، مثلما فعل أحفاد ماركس من أهل العربية، عن أجوبة حول التقدم، لا يقل سذاجة عن سؤال أرسلان، بل هو إلى البله أقرب. فكيف يمكن لمفاهيم ومقولات وترسيمات أنتجها الماضي السحيق، أن تتحول إلى جهاز معرفي لفض العالم المعيش؟
دون السؤال عن البنى الراهنة السائدة وتاريخ تكونها واستمرارها وتحولاتها، لا يمكن أن تتمتع الإجابات بمصداقية معرفية، وبالتالي، تزويدها بوعي عقلي للواقع.
إذ تنطوي حركة التاريخ على جملة ممكنات يختزنها في داخله، دون أن ننسى أنه رحم للمصادفات. إن من شأن العقل الواقعي أن يرصد هذه الممكنات، ويتوقع تحقق هذا الممكن أو ذاك، تقديراً منه بتوافر حظ من الشروط.
وهذا يعني أن درجة اليقين بمآلات حركة التاريخ ضعيفة، ويرتب هذا الوعي بحركة التاريخ، تعليق الأحكام اليقينية المرتبطة بما يسمى حتمية مسار التاريخ، دون أن ننفي توقع حزمة الاحتمالات..
لقد آن لنا أن نكون جادين مع الواقع ومسار التاريخ، أن نكون جديين حتى مع مزحاته المزعجة.
والحق من النادر أن يتناول الوعي التاريخي مزحات التاريخ المزعجة، ومزحات التاريخ المزعجة، هي تلك التي لم تخطر على بال، وتؤسس للمأساة التي يقف وراءها عقل أرعن.. والكوارث إذا ما حصلت، فإن التعافي منها يحتاج إلى زمن طويل.